إلى ما وراء عينيك للكاتبة الفلسطينية نوال هند: رواية الخلاص الفردي والقومي
فلسطينية وسوري ينشدان خلاصهما في بيروت
"حياة"، تلك الشابة التي تحب الأدب، التي تعاني من توترات، أثناء ترددها على العيادة النفسية، لا تلبث أن تعبر رحلة عاشقين متوترين ضمتهما بيروت، لنعبر من خلالهما رحلة خلاص قومي. تضع العاشقة حدا لحياتها، بابتلاعها كل ما وجدت من حبات دواء مهدئة، تاركة الحبيب لتوتراته النفسية والوطنية، فيما تظهر توترات آخرين التقتهم أثناء عبورها متسللة من وطنها، ولم تترك غير الطفل ثمرة زواج قصيرة، لعله يكون الأمل باستقرار ما يطل من المستقبل وعليه.
تبحر حياة في عيني ماجد الذي ينتظر دوره مثلها ليدخل على الطبيب، تنجذب نحو المشاعر التي تطل من عينيه إثر رحلته المتعبة والموجعة في الحياة، وهنا تبدأ فصول الرواية.
وقد اختارت الكاتبة شكل السرد الداخلي، لما تفترضه من أحداث مرّ فيها ماجد، من خلال اجتياز عدة أبواب في حياته. وقد سجلّ زمن السرد الداخلي مدة الانتظار لساعة من الوقت، حيث ما إن تنهي سردها الداخلي حتى يتم النداء عليها لتدخل العيادة كما ظهر في الفقرة الأخيرة من النص، في حين يمكن أن يكون زمن الرواية قد امتد منذ الحرب على غزة عام 2008 حتى تاريخ التعارف في العيادة، لعله قريب من تاريخ نشر الرواية، كون "ألين" إنما كانت ابنة 16 عاما، عندما أفقدها صاروخ إسرائيلي أسرتها كاملة.
حياة التي لم تقدمها الرواية غير بالمتوترة نفسيا والمحبة للقراءة، قرأت ما هو داخل ماجد، بما كان من أحداث مثّلت فيها "ألين" أهم محطاتها.
في البداية، لم تقدم الكاتبة جنسية الشخصيات ولا المكان، ولكن مع السرد تظهر هويتهم/ن وتظهر الأمكنة، ومكان الأحداث في تلك المدينة.
من النهاية للبدايات، يظهر ماجد طالب العلوم السياسية، السوري، الذي يدرس في إحدى الجامعات في بيروت، ذو النفس المثقف والثوري، يلتقي بطالبة الفنون الجميلة "ألين"، القادمة من حرب غزة، حيث تدعوه الى معرضها الفني، ليرتبطا بمصير شخصي وقومي أيضا، فيتعرفان معا إلى تجربة الفقد المشترك، فهو قد فقد أخاه الصغير قبل سنوات. أما "ألين"، فهي بعدما صارت وحيدة، فقد اختارت السفر خارج غزة، عبر الأنفاق، إلى مصر، حيث احتضنتها أسرة مصرية، ثم لتحصل على منحة دراسة الفنون في بيروت.
تسرد حياة القصة، فهي الساردة فقط، غير متدخلة بالأقدار، مكتفية بمشاهدة الأحداث، حيث تكون قد اندمجت في الأحداث واصفة فقط، دون دور آخر.
يسافر ماجد إلى سوريا بلده، لتكتشف بالصدفة أنه من المشتركين بالأحداث، تنفر "ألين" منه كونها مدركة لما يتم من ذبح لسوريا، في حين يبرر لها بأنه اشترك بالثورة على النظام السياسي، لكنه حينما اكتشف الحقيقة ترك تلك الأحداث، فيعودان لما كانا عليه من حب، يتوّج بالزواج.
في هذه الأثناء يطل الشاب المصري "عماد" ابن الأسرة التي آوت "ألين" حين عبرت الأنفاق متسللة من غزة إلى رفح في مصر، فيظهر أنه كان قد وقع في حبها، لكنه لم يشأ إعلامها، لكنه حين جاء إلى بيروت، يجد الفرصة كي يبثها حبه القديم. ولم توضح الرواية وجود "عماد" في بيروت فجأة. كما لم تظهر جوانب إنسانية كافية في شخصية صديقتها "ليلى"، رغم أنه كان بالإمكان دمج حياة كليهما.
في حوار الرواية، نقرأ شيئا عن الهم القومي، واستخدام الديمقراطية للتدخل في الشؤون القومية، حيث يظهر نقدا سياسيا للنظم، ونقدا للمؤسسات التي تعنى بالديمقراطية، حيث يتم توجيه التهم لها، بأنها إنما تأتي في سياق استعماري.
وهنا يظهر كيف حاولت الكاتبة إدارة الخلاص الشخصي، والوطني والقومي، بل الخلاص الاجتماعي عن طريق التعرّض ولو سريعا لقضية المرأة العربية.
اللغة هنا لغة روائية، لكنها لم تسلم من الخطاب والانفعال، ربما ملاءمة لسن الروائية من جهة، ولسن شخصيات الرواية. كما كانت اللغة بحاجة لتكثيف لغوي أكثر من انشغال السرد باليومي العادي.
تمتلك الكاتبة قدرات في الوصف الذي يلقي دلالات على الشخصيات، كما في توصيف خلع الحذاء وقص الشعر، واستخدام المكياج، لما لأي وصف من أثر للتحليل النفسي، حيث دل خلع الحذاء على الميل للتحرر، في حين دل قص الشعر على الميل للبدء من جديد. ولكنها رغم امتلاكها لموهبة الوصف التعبيري الدلالي إلا أنه لم تذهب به للمدى الروائي المطلوب.
كما ضمن لغتها الساردة مقاطع طويلة من الشعر على لسان الشخصيات، كفقرات جمالية، معبرة عن جو الرواية، بما تمتلك من مشاعر وانفعالات.
السرد العام جاء من نصيب "حياة"، لكن اختلط السرد أحيانا ما بين سرد الساردة "حياة"، وسرد "ألين".
و"حياة" هذه التي أطلت مهرولة إلى عيادة الطبيب النفسي، وسردت ما قرأته في عيون جواد، كل ما فعلته هو القصة، حيث ما تنته من القراءة التأملية، حتى تختفي داخل غرفة الطبيب.
ولربما تختفي ملاحظاتنا النقدية، حين نعرف أن الروائية الشابة نوال هند قد كتبت روايتها وهي لم تغادر سن السادسة عشرة، إلا أنها رأت النور حديثا، وهي على مقاعد الجامعة.
إننا أمام ميلاد روائية مدهشة، استطاعت عقد الصلة ما بين فلسطينية وسوريّ على أرض بيروت، في زمن الربيع العربي الذي يثير الجدل أكثر ما يثير الأمل، وهو الذي بنظر الكاتبة دفع الشعوب للتوتر لا للاستقرار، مما انعكس على شخصيات الرواية، كرمز ما يدل على ما آلت إليه نفوس الناس هنا، حيث نصل "ألين" لخيار الانتحار بسبب عنف الاحتلال الذي سلبها أسرتها، في حين يصل "ماجد" عيادة الطبيب النفسي بسب ارتباكه وتورطه في أحداث يلده سوريا، من جهة، وانتحار زوجته من جهة أخرى. وقد أبقت الكاتبة على الطفل كرمز للأمل في الجيل الجديد.
وقعت الرواية في 110 صفحات من القطع المتوسط، وصدرت عن دار موازييك للترجمات والنشر-عمان –الأردن، أما الغلاف فكان من تصميم أحمد حمزة.