جرعة إيرانية زائدة

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

ستفتتح يوم 18 أيلول الحالي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يبدأ أسبوع خطابات رؤساء الدول يوم 24 من الشهر ذاته، لمدة أسبوع. وتترأس الولايات المتحدة الأميركية، ومندوبتها للأمم المتحدة، نيكي هيللي، مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، ويبدو أنّ الخطة الأميركية لجعل إيران، وقضايا فرعية أخرى، هي صلب النقاشات المقبلة، بدل القضايا الرئيسية، وقضايا أخرى مثل فلسطين.

في يوم 25 أيلول؛ أي يوم الافتتاح، ستتحدث إيران في الجمعية العامة، ولكن في اليوم التالي ستنعقد جلسة خاصة في مجلس الأمن، يرأسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نفسه، لمناقشة الشأن الإيراني، وقد تطلب إيران الحديث في هذا الاجتماع، ما يفتح "باب المسرح" لمواجهة مباشرة وجهاً لوجه بين الولايات المتحدة وإيران، وبين رئيسي الدولتين.

هذا التركيز على إيران هو في جزء منه هروب من مواجهة مشكلات النظام الدولي الحقيقية، مثل دور القانون الدولي، والتجارة الحرة، واتفاقيات المناخ، ووقف التوتر بين قوى نووية، ومن مواجهة قضايا مزمنة مثل فلسطين. هي كلها أمور تتورط فيها الإدارة الأميركية الحالية، وتختلف فيها مع دول كثيرة في العالم. وعلى صعيد الشرق الأوسط ومشكلاته، ربما أصبح الآن أمراً واضحاً ومعروفاً أنّ الإدارة الأميركية تهرب من مشكلات أهمها القضية الفلسطينية، إلى إيران، وهو أمر يفعله أيضاً كل عام رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مستخدما كل مهارات الحديث والعرض الممكنة له، حتى يحول انتباه العالم من المشكلات التي يسببها احتلاله لفلسطين، واستمرار مشكلة أكثر من 6 ملايين لاجئ بسبب سياسات حكومته، للحديث عن إيران.

عدا إيران، تسعى نيكي هيللي لحرف الانتباه باستخدام نيكارغوا، لذلك دعت إلى جلسة لمجلس الأمن يوم الأربعاء 12 أيلول بسبب اضطرابات داخلية هناك ومظاهرات ضد سياسات الرئيس النيكارغوي، دانييل أورتيغا، أدت لموت المئات، وتعتقد الصين وبوليفيا وروسيا أنّ الوضع لا يهدد السلام الدولي بما يفرض جلسة نقاش خاصة هناك. ورغم أن موت المئات بلا شك أمر خطر دولياً، فإنّ هذه الدول يبدو ترى في هذه الانتقائية الأميركية في معالجة الملفات نوعا من حرف الانتباه عن قضايا أساسية.

سيكون هناك اجتماعات خاصة أثناء الجمعية العامة لمناقشة قضايا مثل الانتشار النووي والأمراض، ولكن لن تحظى بالحضور الدولي أو التغطيات ذاتها، وسيتحول الانتباه لقضايا أهمها إيران.

لن يترك الفلسطينيون الأمر يمضي من دون محاولة إعادة البوصلة لقضيتهم، فعلاوة على خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي بات مناسبة سنوية تحظى بالاهتمام، يتوقع هذا العام تجديد طرح موضوع الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الجمعية العامة، وربما طلب الحماية الدولية، وهناك اقتراحات جدية الآن أن يطلب من الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، تبني قرارات بخصوص تمويل وعمل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

لعل تصريحات السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، تعكس بوضوح المعركة على أجندة المنظمة الدولية، فبدأ بالقول إنّ المنظمة التي تستعد لخفض الإنفاق على برامج الصحة والتعليم لا يمكن أن يكون لديها شيء توفره للأونروا، واعتبر أنّ الأموال التي تذهب للأونروا تشجع على استمرار الإرهاب، وبدل ذلك يجب أن "تساعد السكان".

بحسب الإعلام الإسرائيلي، الذي بات ضروريا الشك بدقته حتى يثبت العكس، فإنّ الإدارة الأميركية تحاول ترتيب لقاء بين ترامب وعباس على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، والواقع أنّه حتى لو ثبت وجود هذه المحاولات، فهي أيضاً تلخص السياسة الأميركية إزاء الفلسطينيين؛ اجتماعات عابرة في غرف مغلقة، مع بعض الكلمات الغامضة عن تسوية سياسية، ثم ينتهي الأمر بينما يستمر الاحتلال وسياساته.

أخذ الأونروا وقضيتها، وكل القضية الفلسطينية للأمم المتحدة باعتبارها جزءا من القضايا التي تهدد السلام العالمي أمر مهم، وعلى أهمية وجدارة مناقشة السياسات الإيرانية، وقضايا كالتي تحدث في نيكارغوا، فإن الانتقائية في اختيار القضايا، بما يلائم الجانبين الأميركي والإسرائيلي، أمر يهدد النظام الدولي، ويهدد كل فكرة الأمم المتحدة، وبالتالي يجدر بناء تحالف دولي على أساس أن القضية الفلسطينية هي اختبار حقيقي للمجتمع الدولي قبل أي شيء آخر.

ahmad.azem@alghad.jo- جامعة بيرزيت

.... عن "الغد" الأردنية