استهداف أونروا وصفعة متاحة

944891536224183.jpg
حجم الخط

 

معلوم هدف إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، من الانسحاب نهائياً من التزام بلاده بتمويل الوكالة الأممية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ولا يحتاج الأمر الى شرح. فالمسألة في ذهنه، تتعلق بالتدويخ وبتجريف الحيثيات السياسية من كل إطار وموضع، لكي يرمي ورقة الجوكر التي لم يتوصل حتى الآن الى ملامح صورته النهائية، ولا زال ينتظر أن يستغيث به الآخرون لكي يرمي ورقته!

لكن مسألة أونروا، تمثل تحدياً خفيفاً يمكن إفشاله عندما تتوفر الإرادة العربية والدولية، ويمكن توجيه صفعة قوية لرقبة الرجل الذي سيظل يتلقى الصفعات حتى ينزوي، في حال توفر بعهض المروءة لمحبي العدالة والحقيقة، ولمن يتحسسون واجبات الوفاء لأسلافهم ولأوطامهم، من الأشقاء العرب. فالمسألة لا تعدو كونها محض تغطية لموازنة أونروا!َ

ذريعة إدارة ترامب، في حجب إسهامها المقرر في موازنة الوكالة الدولية، بدت في مضمونها أنها استشعرت الغدر وحجم السفاهة، لذا جعلت المسألة نتاج الإعتراض على التسيب واستفادة موظفين كبار من موازنة "أونروا". بمعنى أن الذريعة أخفت الهدف الحقيقي الذي من أجله استهدفت الوكالة، وصرح مساعدون لترامب به، في بيانات غير رسمية. ولو كان الوضع الإداري للوكالة، مثلما تقول سفيرة ترامب لدى الأمم المتحدة، لكان الأجدر أن تدعو الولايات المتحدة الى ورشة عمل لتصحيح ما تراه انحرفاً في أداء الوكالة. لكن الانحراف الحقيقي في ناظر ترامب والطاقم الذي معه، هو كون الوكالة، على الرغم من صفتها الإغاثية، تعبر عن مضمون سياسي لقضية للاجئين الفلسطينيين، وليست قضية انحراف في الأداء. فالخلل في الأداء، يُعالج إدارياً ولا يعالج بشطب التاريخ والقضاء على مؤسسات ترعى ضحايا غزو بلدان الآخرين وطردهم من بلادهم.

وكالة أونروا نفسها،  اندهشت وغضبت واستنكرت الذريعة الأمريكية،  بل وجدت نفسها تتهم إدارة ترامب ضمناً، بقفدان الذاكرة، لذا استحضرت موقف واشنطن قبل ثمانية أشهر، عندما أشادت بما سمته "الإدارة الناجحة للأونروا". وتساءلت المنظمة كيف أصبحت اليوم، في ناظر الإدارة الأمريكية نفسها، ذات منحى شائن ومعيب ولا يمكن إصلاحها.

لا يختلف اثنان، على أن إدارة ترامب، لم تفكر ولا ترى أية أهمية لعملية إصلاح في الوكالة،  ولا علاقة لها بطرق إدارة المدارس والمراكز الصحية والعيادات، ولا بكيفية تقديم المساعدات للاجئين. ولا شيء في ذهن إدارة ترامب سوى تلبية رغبات إسرائيل والاستجابة لطلب نتنياهو المنزعج من وجود الوكالة. وهذه حقيقة لا تحتاج الى فطنة والى تقصي، لأن السُذج يعرفون أن موقف ترامب هو موقف الليكود، والموقف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتهجير مئات آلاف الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم وتحويلهم إلى ملايين من اللاجئين مع أحفادهم في شتى بقاع الأرض، والمطلوب هو طيْ قضيتهم وشطب حقوقهم وتذويب حضورهم بصفتهم لاجئين!

الموقف الأمريكي يمثل خطوة أخرى تصعيدية لإدارة ترامب، في سياق محاولاتها، تركيع الشعب الفلسطيني وإجباره على الرضوخ بضغوط مصاعب الحياة، لكي يقايض قضيتة حقوةقه الوطنية، بالخبز والطبابة مدارس الأطفال، وهذا شيء بعيد المنال، لا يؤدي إلا الى المزيد من الإصرار على طلب الحق والى التوتر والى تطرف المظلومين المستلبة حقوقهم، والى إدخال المزيد من التعقيدات أوضاع المنطقة. وواضح أن إدارة ترامب لا تعرف الشعب الفلسطيني ولا تعرف التاريخ ولا علاقة لها بالعدالة!

واجب ذوي المروءة الآن، هو تدبير الصفقعة القومية المتاحة، لدونالد ترامب. والاختبار الأول، لدول الوفرة العربية، التي تُثقل عليها مزازنة أونروا. إن فشلت في التوافق على الصفعة لن تستطيع مواجهة الصفقة التي تتحدث عنها إدارة ترامب، وهي جلابة للمزيد من الكوارث!