فتح وحماس.. والاعتراف بالخطأ ؟

538701535794658.jpg
حجم الخط

 

لسنا بصدد المقارنة بين الحركتين، وأيهما على صواب أو خطأ، ولسنا بصدد أيضا المقارنة والمفاضلة.سنتحدث في البعد الأول في العلاقة في مفهوم الخطأ، وكيفية التعامل معه. والسؤال أيهما على صواب أو خطأ؟ الإجابة السريعة الصادرة من الناطقين باسميهما أنهما على صواب. لا أحد يعترف بالخطأ، ولا أحد سمعه من الطرفين، أو اعتذرا من الشعب الفلسطيني على ما اقترفاه من أخطاء.

بداية لو اعترف من يرتكب الخطأ بخطئه واعتذر لكان ذلك يشكل بداية الحل واستعادة الثقة والمصداقية.الاعتراف بالخطأ ليس عيباً ولا تقليلاً من شأن من يرتكب الخطأ، لأن الهدف من الاعتراف به هو تصحيحه والبحث عن الحلول. وفى أدبيات النظم السياسية عموماً تلتقي أنظمة الحكم المطلقة والسلطوية مع أنظمة الحكم الثيوقراطية أي الدينية في عدم الاعتراف بالخطأ، باعتبار أنها دائما على صواب وغيرها على خطأ.وثانياً الهروب من الحقيقة من خلال تبني نظرية المؤامرة، الكل يتآمر علي،وهنا الإشكالية الكبرى، ذلك أن الحركتين تتبنيان نظرية التآمر المتبادل،فتح تتآمر على حماس، وحماس تتآمر على فتح.

وكما يقول ستيفن كوفي أستاذ متخصص في علوم التفكير الإبداعي أن التفسير الصحيح للخطأ هو الطريق الوحيد للخروج من حالة الفشل المتكررة، ويرى أن المرحلة الأولى من الخطأ هي مرحلة الارتكاب الإنساني للخطأ وهي مرحلة يقع فيها الكل، وهي مرحلة طبيعية، والمرحلة الثانية هي مرحلة إنكار ارتكاب الخطأ،وهي درجة متقدمة في سلوك الخطأ والبحث وتوظيف كل التبريرات لتأكيد صوابية الرأي، فطالما لم يعترف بالخطأ، فهو على صواب وغيره على خطأ. المرحلة الثالثة وهى الأكثر خطورة هي إلقاء اللوم على الآخرين، وهم من يتسببون بالخطأ. وخطورة هذه المرحلة التمسك بالفشل، وعدم الاستعداد لمراجعة النفس، وتصحيح الخطأ، واعتبار كل آخر هو العدو المخطئ، هذه الحالة من التمسك بالخطأ ونكرانه وإلقاء اللوم على الآخرين هي التي تفسر لنا الحالة والعلاقة بين الحركتين، وهي التي تفسر لنا لماذا الفشل في إنهاء الانقسام، والوصول إلى المصالحة وهي حالة طبيعية، ورغم الإدراك أن الانقسام حالة ليست فقط شاذة في التاريخ الفلسطيني بكل مراحله، بل هي حالة لا يمكن التعايش معها. والإشكالية أن هناك خطأ ولا أحد يريد أن يعترف بخطئه، ولو اعترف كل منهما بهذا الخطأ لأمكن الوصول إلى صيغ مقبولة للمصالحة. وأسوق هنا بعض الصور للخطأ: أخطأت فتح في الكثير من المواقف والقرارات في موقفها من حرب العراق على الكويت، ومن ملف السلام والاعتراف بـ«إسرائيل»من دون ثمن سياسي مماثل، وفى احتكارها لمؤسسات منظمة التحرير وللنظام السياسي لما بعد أوسلو، وعدم العمل على بناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي، وأخطأت عندما أطالت عمر المجلس التشريعي الأول ولم تجر الانتخابات في موعدها، وأخطأت عندما اندمجت في السلطة لتطغى السلطة على الحركة.أما اليوم فالخطأ الأكبر يتمثل في الفشل في التعامل مع الانقسام منذ اليوم الأول، وأخطأت في فرض الإجراءات (العقوبات) على غزة، وأخطأت في الربط بين المصالحة وفرض شروط معينة.

أما حماس فأخطأت، وكان الخطأ الأكبر هو الانقلاب على السلطة والذهاب بعيداً بالانقسام، في السعي إلى وضع غزة تحت سلطتها، وأخطأت لأنها لم تعترف أنها حركة سياسية وطنية يمكن أن تخطئ كأي بشر،وأخطأت في الاستحواذ على غزة بالكامل، وكذلك في تحالفاتها الإقليمية وارتباطاتها الخارجية، وفي العديد من القرارات المتعلقة بالتحولات العربية، ولم تكن حساباتها دقيقة بشأنها،كالعلاقة مع مصر أولا. وأخطأت في الإعلان عن تحملها مسؤولية الأوضاع في غزة،وفي ربطها المصالحة بملف الموظفين فقط رغم أهمية هذا الملف وضرورة حله، لكن المصالحة أكبر.وكان خطؤها في إدارة مفاوضات التهدئة. لكن علينا أن نعي ماذا يعني أن تتفاوض حماس وليس السلطة والتي هي جزء منها.

هذه بعض الأخطاء التي لا يتم الاعتراف بها، وهي تشكل حاجزاً صلباً يحول دون تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتبقي على حالة الصراع والتشرذم التي لا يستفيد منها إلا «إسرائيل».

 

عن جريدة "الخليج" الإماراتية