الكونفدرالية: فلسطين والأردن في خندق واحد

756891536263261.jpg
حجم الخط

 

رغم أن فكرة "الكونفدرالية" بين فلسطين والأردن ليست جديدة، إلا أن إعادة طرحها، في هذا التوقيت بالذات، تعني شيئاً واحداً، هو أن الإدارة الأميركية جادة حقاً وفعلاً في "تصفية" القضية الفلسطينية، وأنها تسعى إلى "تتويج" إجراءاتها تجاه القدس واللاجئين، بوضع حد نهائي لملف الصراع الفلسطيني_العربي/ الإسرائيلي، لصالح إسرائيل بالطبع، ووفق ما تريد وتتمنى وتشتهي، وكما لو أن واشنطن أو إدارة دونالد ترامب بالتحديد ما هي إلا حزب يميني إسرائيلي متطرف، مشارك في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فيقوم بالنيابة عنها بالقيام بكل ما هو عمل سياسي قذر، من خلال الإلقاء بالثقل السياسي للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة داخل سلة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.
ورغم أن الفلسطينيين والأردنيين معاً ومنفردين كانوا من قبل قد حددوا موقفيهما من فكرة "الكونفدرالية" والتي تقوم على أساس أنها خيار سيادي للشعبين الشقيقين، إلا أن جوهر الفكرة من الجانب الأميركي والإسرائيلي بالطبع شيء آخر مختلف، بل ومناقض من حيث الهدف والنتيجة، والفارق بين أن تعلن الكونفدرالية بعد إعلان دولة فلسطين وقبلها كالفارق بين السماء والأرض، وهو في حقيقة الأمر الفارق بين حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً أو حتى مقبولاً على الشعب الفلسطيني وبين تصفيتها وفرض الحل الإسرائيلي بالقوة والضغط والإكراه بمختلف الوسائل والأدوات والأساليب، ومنها ما هو سياسي، اقتصادي وحتى عسكري.
وأن تعلن الكونفدرالية بين دولتي فلسطين والأردن، يعني أن الشعبين قد توصلا إلى اتفاق بأنها تحقق مصلحة الشعبين والدولتين، وفي السياق، ربما تطمئن إسرائيل وغيرها إلى أن دولة فلسطين لن تكون دولة "متطرفة"، بل ستنتهج سياسة معتدلة تستند إلى تراث السياسة الأردنية، خاصة أنها أولاً دولة طالما كانت قريبة من الغرب، ثم هي واحدة من دولتين عربيتين فقط، حتى الآن التي عقدت اتفاق سلام مع إسرائيل.
ويعني أن تعلن الكونفدرالية بين دولتي فلسطين والأردن، أن شرطها الأول والرئيس هو التوصل لحل الصراع التاريخي بين إسرائيل وفلسطين، على أساس حل الدولتين، الذي يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً ومقبولاً.
أما أن تعرض كحل مفروض من قبل أميركا ومن ورائها إسرائيل بغض النظر عن الإطار أو السياق، إن كان صفقة القرن أو غيرها، فيعني أن يتم "حل قضية السكان الفلسطينيين" المقيمين على الأرض المحتلة عام 67 ضمن الدولة الكونفدرالية، حلاً هو في حقيقة الأمر "ترانسفير" ناعم، وبالتالي تحويل الصراع حول إنهاء الاحتلال إلى صراع حدودي بين دولتي الكونفدرالية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
وبنتيجة الحوار أو التفاوض هذا من المؤكد أن يتم ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، إضافة للقدس وكذلك إغلاق ملف اللاجئين دون حق العودة والتعويض.
أي أنه باختصار، تقوم فكرة الكونفدرالية الأميركية/الإسرائيلية على تظهير الاحتلال الإسرائيلي ومكافأته بضم نصف الضفة الغربية على الأقل، والظفر بالقدس، والتخلص من استحقاق تنفيذ حق العودة، وبذلك يكون مثل هذا "الحل" على حساب الحقوق الفلسطينية أولاً، وثانياً على حساب الأردن، ذلك أن الأردن سيجد نفسه مضطراً للدفاع عن أمن إسرائيل على أساس الحدود الجديدة بين دولتي الكونفدرالية وإسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية "تحمل" عبء إضافة نحو ثلاثة ملايين فلسطيني إلى الدولة العربية، حيث سيشكل حينها الفلسطينيون أغلبية سكانية، فيكون الشعب الأردني أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن يفرض نظام تمييز عنصري لضمان حقوق الأردنيين السياسية في وطنهم، أو أن يقبل بما ستعلنه إسرائيل لاحقاً من أن الأردن صار هو دولة فلسطين، وذلك لمواجهة الضغط الدولي الذي يطالب منذ زمن طويل بدولة للشعب الفلسطيني.
بذلك تتخلص إسرائيل من الخيار الصعب الناجم عن إقدامها في وقت لاحق على ضم الضفة الغربية رسمياً، وهو أن تتحول إلى دولة ثنائية القومية أو إلى دولة أبارتهايد، أي دولة تمييز عنصري، وبذلك ترسخ فكرة الكونفدرالية الأميركية/الإسرائيلية فكرة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن وعلى حساب شعبه وحقوقه الوطنية.
لذا فما أن أعلن الرئيس محمود عباس عن المقترح الأميركي الذي عرض عليه في وقت سابق، حتى كان رد الفعل الأردني بالذات كما هو متوقع وعلى كافة المستويات، الحكومة والبرلمان ومن ثم رأس الدولة، الملك.
وهذا أمر طبيعي جداً، لكن ما لا بد من قوله أخيراً، بهذا الخصوص، هو أن الهجوم الأميركي/الإسرائيلي السياسي والميداني على الحقوق الفلسطينية، لا يتوقف عند تلك الحدود، بل إنه لا يتورع عن المسّ بأسس الدولة الأردنية، ولأن أميركا وإسرائيل ليس لهما صاحب، فإنهما بهذا المقترح وبغيره تعبران عن أنهما تقومان بتوسيع دائرة العداء لهما في كل الشرق الأوسط، لذا فإن المعركة ضدهما، يجب أن ينخرط فيها الشعبان الفلسطيني والأردني أولاً، ومن ثم كافة شعوب المنطقة، خاصة الشعوب العربية، ولا بد من القول: إن معركة الأردن وفلسطين ضد مقترح الكونفدرالية الأميركي، إنما هي معركة واحدة، لا بد من خوضها والتحضير لها، والانخراط فيها معاً، فحل الصراع يجب أن يدفع ثمنه الاحتلال الإسرائيلي، لا أحد آخر، وإذا كان قد أعلن عن المقترح عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، فلا بد من تحويل الجمعية العامة إلى منصة لكشف مخاطر السياسة الأميركية الحمقاء على عموم المنطقة.