بقلم: الصحافي حسن عبد الجواد
حزينة بيت لحم "عاصمة الميلاد"، ففي اليوم الذي أُعلن عنها قبل سنوات "عاصمة للثقافة العربية 20/ 20"، وابتهجت معتقدة أنها ستتسلح بأحد أهم أركانها الثقافية والحضارية، وتعزيز مكانتها التاريخية التي اعترف بها القاصي والداني على وجه المعمورة، جار عليها صاحب الثقافة وعزيز عاصمة المال والمؤسسات وفوضى السوق والقروض، ومن لف لفه، فقرر منفردا، وبدون وجه حق مخاصمتها ومعاقبتها، متذرعا بان أهلها ومؤسساتها ومثقفيها واكاديمييها ليسوا أهلا لمكانتها، ولهذه المناسبة الثقافية، التي لم يكن صاحبنا فيها سببا، سوى أنه صاحب الثقافة.
صاحبنا، صاحب الثقافة، والمحترم على المستوى الشخصي، اشرف عن بعد على تشكيل اللجنة الوطنية لمشروع بيت لحم 20/ 20 عاصمة للثقافة، منذ ما يزيد عن عامين، وتوقفت اللجنة فجأة بعد عدد من اللقاءات والاجتماعات والجهود والنفقات...، وتقديمها لبرنامج ورؤية، رفعت إليه.
وبعد ذلك عاشت بيت لحم عامين دون حراك يذكر، وفراغا لا احد يجرؤ على سؤال صاحبنا عن أسبابه، ولماذا هذا الصمت الرهيب الذي يكتنف هذه المناسبة الثقافية الهامة، رغم مسؤوليته الأولى عن هذا الحدث التاريخي، كما لدى كل حكومات العالم.
صاحبنا يعتبر خصائص شخصيته من مقدسات وطقوس الثقافة، التي يعتبر انتقادها من المحرمات. وقد يقول قائل: "صاحبنا مثقف وصاحب حراك ثقافي، وناشط، وافتتح بمقصه الذي يلازمه، عشرات الفعاليات الفنية والثقافية، وسافر والتقى وحضر وعاد محملا بالغالي والنفيس من المعاني والمغازي، ومنحَ ومنعَ، وقربَ وأقصى"، وهو محسود على ذلك.
كل ذلك قد يبدو صحيحا، ولكن المهمة التي يضطلع بها صاحب الثقافة في منصب كهذا يجب أن لا تقتصر على ذلك فقط، فالمهام الثقافية الكبرى التي يتم اعتمادها عربيا ودوليا، مثل حدث بيت لحم 2020 عاصمة للثقافة العربية، والقدس عاصمة للثقافة الإسلامية 2019 ، ليست مجرد احتفال يقص به شريط ملون من صاحب الثقافة، أو خطبة عصماء واستقبال في حفل ثقافي.
أنت تعلم يا صاحب الثقافة قبل الجميع، انه لا احد فوق النقد، وحتى الساخر منه، فما يجري من إقصاء وتهميش لبيت لحم وتغييب وإهمال من قبلك لحدث بيت لحم عاصمة للثقافة العربية، هو تغييب لأهلها وللشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية ولمؤسسات وفعاليات بيت لحم على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، وان هذا الغياب لصاحبة الثقافة عن واجبها وأولى أولوياتها، لن يمر كسؤال صعب في ندوة ثقافية، وبدون حساب أو ثمن، فبيت لحم فيها من التاريخ الحضاري والثقافي والسياسي، ما مكنها من أن تكون نبعا ومنهلا للثقافة الإنسانية والعطاء الذي لا ينضب، وهي ليست بحاجة لمن يتقلد ياقة، أو يعرف كيف يتبسم للكاميرات، وهي ستعمل بكل إمكانياتها لإنجاح هذه المناسبة الوطنية والابتسام للحياة، وملء الفراغ الذي تركته في تاريخها.
أقول ذلك من القهر، الذي سببته لكل لأهل بيت لحم وتاريخها الثقافي ولحجارتها وأحيائها القديمة، ومن الغيرة على بيت لحم التي ضيعت عليها، وعلى جبرا إبراهيم جبرا فرصة احتفاء العالم بهما.
لا تقل يا صاحب الثقافة، إن الوقت ما زال مبكرا للتحضير والاستعداد لهذا الحدث، وان لجنة وزارية عليا تشكلت بدلا عن سابقتها، فقد مر ما يزيد على العامين، دون خطوة عملية واحدة من سيادتك، وبغض النظر عمن تخاصم، فهل يليق بك أن تتذرع بمقاطعة بيت لحم، التي تتمتع بعراقة الزمان والمكان، وتضيع عليها زفافها وعرسها، بسبب خلاف هنا أو هناك!!
لن أتفاجأ بالبعض الذي قد ينبري للدفاع عن صاحب الثقافة وانجازاته التي تملا الزمان والمكان!!، والهجوم على كاتب هذه السطور، لكن ليعلم جميع هؤلاء أن أحدا لن يستطيع أن يقنع "طفلا أو صاحب بسطة أو بياع سوس في شوارع بيت لحم العتيقة"، بان صاحب وصاحبة الثقافة يمكنهما الادعاء بأنهما قدما شيئا لبيت لحم في هذه المناسبة، وأنهما لم يأخذا منها كل شيء.
وقد يقول البعض أن تأتي متأخرا خيرا من أن لا تأتي، هذا آخر الصحيح، فالقضايا الكبرى، في مثل حالتنا هذه ليست ملكا لأفراد أو وزراء، يحاولون إقناع أنفسهم بأنهم يتقنون لغة تضليل الناس في تقديم أنفسهم، وإنما هذه القضايا ملك للتاريخ ولأهل البلد وكل فلسطين، من النهر إلى البحر وفي الشتات. والأجدى في هذه الحالة، نصيحتي أن تستخلص العبر، وتذهب إلى الاستقالة، قبل أن تداهمك يا صاحب الثقافة استحقاقات حدث القدس عاصمة للثقافة الإسلامية 2019.
بالأمس القريب أعلن عن تشكيل لجنة وزارية للقدس مدينة المدائن عاصمة الثقافة الإسلامية 2019، استنادا إلى قرار المؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء الثقافة لعام 2014. فماذا سيحدث لها، وهي المسورة بالجدران والكتل الاستيطانية، وجنود الاحتلال ما زالوا يبحثون ويفتشون في معابرها عن كلمات غسان كنفاني وأشعار محمود درويش ومعين بسيسو.
فكيف لك يا صاحب الثقافة أن تنجح في حدث القدس 2019، إذا لم تستطع حتى الآن الوصول إلى بيت لحم المفتوحة، التي قرعت لك خزانها وأجراسها وصرخت مآذنها لكي تسمع، ولم تسمع، ودعاك أهلها مرات لمناقشة حدثها الهام ولم تأت، وبعد ذلك أتيت ولم تحضر ولم تسال!، وكأن بيت لحم وحدثها لا وجود لها على خارطة اهتماماتك الثقافية.
ربما هذه الكلمات تساعدك في إعادة الروح إلى روحك، يا عزيزي صاحب الثقافة، فتصلح شيئا مما هدمت، أو بإمكانك أن تستمر في إدارة الظهر لكل ذلك، أو فلتذهب بيت لحم إلى وزير الزراعة "مع الاحترام"، فلا غرابة في ذلك، فهذه البلاد مر عليها الكثيرون من أهلها وغربائها، وما زالت فلسطين وستبقى فلسطين.