شاهدٌ من قلب الديبلوماسية الأمريكية

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لم نكن بالطبع، في انتظار شهادة جون كيري، لكي نعرف أن نتنياهو لا يريد تسوية وأنه يتطرف حيال المنطق السوي والعدالة. وليس لدينا أدنى شك، في أن الزعيم الشهيد الباسل ياسر عرفات، لم يكن "عقبة" في وجه التسوية المتوازنة، لكي يقنعنا جون كيري بهذه الحقيقة. فنحن على دراية بكل الشواهد والبراهين الدالة على أن هذه التسوية كانت خيار ياسر عرفات الاستراتيجي، وعلى الرغم من ذلك قتلوه وكانوا كالعادة أوغاداً وخائنين!

إدارة ترامب، هي أحوج الأطراف الى شهادة كيري، لكنها، بالنسبة لها، تشبه أحد الكوابيس المتتالية التي تؤرق ليالي دونالد ترامب وتكشف المُخبأ من سلوكه وأساليبه ومغامراته الشائنة. ولكي لا يرى الأمريكيون أن ما كتبه جون كيري منحاز الى الفلسطينيين، ركز وزير الخارجية الأمريكي السابق، على شخص نتنياهو وليس على إسرائيل، واعتبره رئيس حكومة لم يدرك مصلحة هذه الدولة الغاصبة، ويريد كل شيء، لكي تنام هذه الدولة وتقوم على الحرب تلو الأخرى، وكان ذلك على النحو الذي أضطر الشاهد لأن يُدلي بشهادته!

كانت إدارة الرئيس أوباما، قد تلقت العديد من الصفعات من حكومة إسرائيل التي اتسمت بالعنجهية والبذاءة، وبالركون الى عجز أية إدارة أمريكية عن كبح جماح إسرائيل. وكان كبير المتطرفين زعيم الليكود المقبور، مناحيم بغين، يقول إن إمريكا في منظوره هي "ثلاث أمريكات، اثنتان منهما نشتغل عليهما ونستحوذ على ولائهما البات، وهما اللوبي الصهيوني والكونغرس مع الرأي العام المتأثر بالمصالح والسياسات التي يرسمها له الإعلام الرأسمالي، أما أمريكا الثالثة وهي الإدارة، فلا نعوّل عليها، سواء كانت معنا بالمطلق أو بشكل أقل من المطلق"!

 في ضوء التجربة المريرة لإدارة الرئيس باراك أوباما والعنجهية والاستعلاء اللذين تعامل بهما رئيس الحكومة الإسرائيلية مع هذه الإدارة، والاستقواء بالكونغرس عليها، يُدلي جون كيري بشهادته. وليس أدل على أن جون كيري يكره نتنياهو لمصلحة إسرائيل وليس لمصلحة الشعب الفلسطيني أو انحيازاً للحق، من كون الرجل، يشمت في ضعفه أمام غزة في العام 2014 ويقول: "لم أره مغلوباً على أمره، وبلا أية حيوية، مثلما رأيته  خلال حرب عام ٢٠١٤ على غزة". فهذه هي غزة التي يحاول عباس خنقها ويستهدف سكانها ويريد نزع سلاحها!

 ولكي لا تؤخذ انطباعات كيري عن نتنياهو وكأنها شماتة في إسرائيل، يؤكد الوزير الأمريكي على مدى محبته لإسرائيل وإخلاصه لها وحرصه على أمنها، فيقول إن إدارة أوباما وضعت خطة أمنية لحماية إسرائيل، وهذا الملف هو الأهم في رأينا ولدى الدولة العبرية، لكن نتانياهو لم يكن في الحقيقة معنياً بموضوع الأمن، قدر عنايته بالتشدد أي المزاودة على قادة إسرائيل طوال تاريخها، لذا "رفض خطتنا للتسوية ولم يكن لذالك علاقة بهاجس الأمن"!

ولكي يبريء نفسه أمام يهود أمريكا، يستذكر جون كيري "مناقب" أوباما الذي امتنع وبرر امتناع الولايات المتحدة عن إدانة الإستيطان في مجلس الأمن، وقدم الكثير من الدعم المعنوي والمادي لإسرائيل. ودعا جون كيري يهود أمريكا بشكل غير مباشر للابتعاد عن سياسة نتنياهو قائلاً ما معناه أن على هؤلاء أن يخشون على مستقبل اليهودية منه، وفي هذه الإشارة، يحاول وزير الخارجية الأمريكي السابق الحفاظ على الصوت اليهودي المتاح للحزب الديموقراطي، لا سيما وهو يطمح الى خوض السباق الرئاسي من جديد!

على الرغم من المضامين الدالة على ثبات انحياز جون كيري لإسرائيل، فإن لشهادته بعض الأهمية في الوقت الذي تمادت فيه إدارة ترامب في التودد لنتنياهو والمزاودة عليه في جموحه وسياساته، بنقل السفارة الأمريكية الى القدس، ومحاولة خنق "أونروا" ومجافاة المنطق ونكران أدنة حق للشعب الفلسطيني في الاستقلال على أرضه خالية من الاستيطان!