لكي تبقى أونروا

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

مثلما حدث حيال العديد من تقاليد السياستين الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة؛ إنقلبت إدارة ترامب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لكي تتساوق مع أشد عتاة العنصريين المتطرفين في إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة، منذ بدء عمل أونروا في العام 1950 أكبر المانحين لأكبر الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة، بمجموع العاملين الذي يربو على الثلاثين ألفاً. ولم يكن ذلك من سخاء وكرم واشنطن، بقدر ما كان من نوع التسكين لجريمة انتهاب فلسطين، بالحد الأدنى من الالتزامات تجاه الضحايا وهم 750 ألف لاجيء مسجل لدى الأمم المتحدة وقت صدور القرار 302 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1949 بإنشاء أونروا، لتقديم الخدمات الإنسانية الضرورية، لشعب مشرد، عاش في 59 مخيماً معترفاً به، في الأردن وسوريا ولبنان والضفة وغزة. وشدد القرار على عنصر التكاثر السكاني للفلسطينيين، فأكد على أبناء اللاجئين، يصبحون لاجئين بالتبعية، وهم اليوم نحو خمسة ملايين في المخيمات وفق تقديرات أونروا!

اللاجئون الفلسطينيون مُعرّفون في قرار تشكيل الوكالة، باعتبارهم الأشخاص الذين كانت فلسطين مقر إقامتهم الطبيعي من الأول من يونيو 1946 حتى الخامس عشر من مايو 1948، قبل أن يفقدوا منازلهم ومقومات عيشهم بفعل الحرب وأصبحوا في حاجة الى المساعدة الإنسانية.

اليوم، بعد سبعين عاماً، يتبدى حال فلسطينيي المخيمات أشبه بالبارحة، وأكثر سوءاً. فقد ظلت المحنة تكبر طرداً مع استمرار الجريمة في التوسع والتضخم. وأضيف انسداد الأفق، الى بؤس المعيشة وضيق فرص العمل، وتنوعت أشكال الحصار. وبالنسبة لغزة أسهمت الحكومة الفلسطينية نفسها في مفاقمة البؤس، وكل ذلك حدث من تفرعات السياسة الأمريكية وأضاليل التسوية وبات الأمر اختباراً لقدرة الأشقاء والأصدقاء على إبقاء أونروا تعمل وتؤدي واجباتها الإنسانية فضلاً عن رمزيتها وما تدل عليه سياسياً وتاريخياً. لقد أقدمت الولايات المتحدة، في عهد ترامب، على فعل التنكر لالتزامات لا تعدو كونها إنسانية، يتأسس حجمها على حجم الدور الأمريكي في إبقاء المـظلمة التاريخية، والعقبة التي تضعها في طريق أية تسوية ارتضاها الفلسطينيون وتقوم على تحقيق بعض العدالة لكي يتحقق الإستقلال السياسي للفلسطينيين على أرض وطنهم. لذا فإن ما يفعله الأمريكيون لاسترضاء إسرائيل، هو محاولة لتضييع قضية لا تضيع، وتشهد على عدالتها الإلتزامات والتصريحات الأمريكية السابقة. ففي الفترة ما بين العام 1998 والعام 2009 أشاد مندوبو الدول ومن بينها الولايات المتحدة، لدى المنظمة الدولية وأمناؤها العامون، بأداء أونروا وأهميتها. بل إن "غيرشون كيدار" المندوب الإسرائيلي نفسه، في العام 2007 زعم أن الدولة العبرية تدعم وكالة أونروا، وكان المحتلون يتعاطون مع الأمر باعتبار أن هذه المنظمة الدولية تخفف من آثار جريمتهم. لكن دونالد ترامب، يتنكر اليوم لكل هذه الحقائق، ويحاول مفاقمة بؤس الفلسطينيين لكي تكون أطروحته المسماة صفقة القرن هي الحل، ويزاود في ذلك على أكثر المرجعيات الصهيونية تطرفاً.

الرد الطبيعي من الدول الشقيقة والصديقة، هو إحباط محاولة ترامب شطب رمزية أونروا، ومفاقمة حياة الفلسطينيين في المخيمات، ولن يكون هذا الإحباط، إلا بالتوافق عبر مؤتمر دولي للالتزام بالمقتضى الواجب، وإنقاذ أونروا، لكي تستمر كتجسيد لحقيقة المأساة، وكوكالة إغاثية، ذات التزامات مقررة على أصعدة التعليم والصحة والخدمات. بل إن الفلسطينيون، ومعهم أونروا، يطمحون الى دفع إدارة ما يسمى "الميكرو تمويل" ضمن هيكلية الوكالة، الى زيادة قدراتها لكي ترفع نسبة اعتمادها على نفسها، من خلال نشاطات استثمارية. لكن الأقطار الشقيقة والصديقة، هي التي يُعوّل عليها لكي ترفد موازنة أونروا لكي تبقى!