ماذا وراء الخطة الاسرائيلية «لضخ مليارات» في القدس الشرقية؟!

09143028322283575940381700475353.jpg
حجم الخط

 

يبدو أن القدس حقل تجارب لتنفيذ الخطة الأميركية الاسرائيلية "للسلام" التي فشلت حتى الآن في الأردن، والضفة الغربية، وغزة.

إذا كانت القدس تاريخياً، قبل العام 1948 وقبل العام 1967، مركزا مزدهرا للتعليم المدرسي، وكان فيها بنية تحتية تعليمية وإعلامية وثقافية مهمة، فإنّ هذا الوضع بطبيعة الحال تغير بعد الاحتلال وتم إهمال المدينة والتضييق عليها في كل المجالات، والآن يلمح الإسرائيليون لتغيير في خطة العمل، بالسعي لضخ أموال في الجزء الشرقي من المدينة، ولا سيما المدارس، شريطة التعاون مع السياسات الإسرائيلية.

وعملياً فإنّ ما حاول الجانب الأميركي تسويقه مؤخرا من ترويج لاستخدام الأموال مقابل تصفية قضية اللاجئين، بما في ذلك طرح دفع أموال للحكومات المضيفة لتتولى هي ما كانت وكالة الغوث لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تفعله، أو الترويج لمشاريع حياتية في غزة مقابل التهدئة والانفصال، هناك، يتم تجربته في القدس.

في الماضي، قال رئيس بلدية القدس السابق، تيدي كوليك الذي تولى منصبه بين عامي 1956- 1993، بعد أن ترك موقعه "لقد أنجزت شيئاً للقدس اليهودية في الخمسة والعشرين عاماً الماضية. ولكن ماذا فعلت لشرق القدس؟ لا شيء. ممرات مشاة؟ لا. مؤسسات ثقافية؟ ولا واحدة. نعم، قمنا بتمديد نظام مجاري ولكن لماذا؟ هل تعتقد أنّ ذلك لمصلحتهم ورفاههم؟ انس. كانت هناك حالات كوليرا، وخاف اليهود أن تصيبهم، فقمنا بتركيب أنظمة المياه والمجاري في وجه الكوليرا".

ويلخص هذا التصريح السياسة الإسرائيلية في القدس، حيث إفقار وإنهاك الفلسطينيين، ومطاردتهم، وجعل حياتهم لا تطاق لتنفيذ ما أسماه شباب من القدس في حديثي معهم نوعا من "البيئة القهرية"، حتى يهجروا المدينة.

نشرت الصحف الإسرائيلية في شهر آب الفائت أنباء عن خطط إسرائيلية جديدة، مختلفة. فعنونت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريراً لها بعنوان "إسرائيل تكشف خطة لضخ مليارات في مناطق القدس الشرقية المهملة"، أما عنوان صحيفة هآرتس فكان "إسرائيل تعد بـ "ثورة" في مدارس القدس الشرقية والفلسطينيون يقولون هذا غسيل دماغ"، وقالت الصحيفة إنّه بعد خمسين عاماً من الإهمال قررت استثمار مبالغ غير مسبوقة في شرق القدس، فيما يسمي البعض هذه الخطة بأنها "أسرلة".

ومن يتابع الأخبار يجد بالفعل جولات مكثفة لمسؤولي بلدية القدس (بمن في ذلك رئيسها نير بركات) ومسؤولي التعليم في القدس الشرقية، ومدارسها.

وقال نير بركات، نفسه، قبل أيام، في مؤتمر في المدينة، أنه كلف موظفيه بوضع خطة للتخلص من وكالة الغوث في المدينة قائلا "الأونروا منظمة أجنبية غير ضرورية وقد فشلت بشكل مزري. أنوي إخراجها من القدس".

وكانت مجلة فورين بوليسي قد كشفت أن مسؤولين أميركيين ناقشوا مع الأردن مسألة تجريد اللاجئين في الأردن من صفتهم كلاجئين وجعل الحكومة الأردنية مسؤولة عن وظائف الوكالة، وتقديم الأموال التي تقدم دوليا للوكالة عبر الحكومة، وهو ما رفضه الأردن بالتأكيد. وهذا النهج يتفق مع تصريحات جاريد كوشنير، أنّ المهم للفلسطينيين (الناس العاديين) فوائد عملية السلام اليومية وليس السياسية (جريدة القدس 23 حزيران 2018)، وهذا ما يفسر الاهتمام الأميركي المفاجئ بالأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، والحديث عن مشاريع هناك لتحسين الأوضاع. وبالطبع تسعى الولايات المتحدة والجانب الإسرائيلي أن تكون أي خطط في سياق إفراغ المسألة الفلسطينية من محتواها السياسي، بعيدا عن الأطر السياسية أو المنظمات الدولية، فالأونروا كمنظمة دولية يجب أن تختفي لتختفي معها صفة اللاجئين، وغزة يمكن تحسين الأوضاع فيها شريطة أن لا يكون هذا ضمن حل سياسي، ويفضل أن يتم هذا مع بقاء فصل الضفة عن غزة.

تفشل هذه الخطط، وتبدو القدس مكاناً مثالياً لمحاولة تجربة تنفيذ هذا المخطط هناك؛ أي تقديم بعض التحسينات الحياتية، مقابل شطب البعد السياسي. فالمدارس التي توافق على تدريس المنهج التعليمي الصهيوني واستقبال المسؤولين الصهاينة ستعطى الأموال والتسهيلات، ومن يوافق على إقامة مؤسسة أو جمعية بشروط إسرائيلية، استسلامية، تنزع الصفة الوطنية الفلسطينية عن أعمالها، وتقبل بالسياسات الإسرائيلية، سيتم تبنيه، وهذا طبعاً مع المزيد من التضييق والتقليص للدور الفلسطيني الرسمي، والوصاية الأردنية، في المدينة.