سنة يهودية جديدة.. و«التحديات الأمنية» لإسرائيل!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

مع كل رأس سنة يهودية جديدة، تقوم إسرائيل من خلال مراكز البحث وأدوات الرقابة الرسمية والمدنية، بتقييم وضع الدولة في كافة المجالات الأساسية، وتفتح كافة الملفات المرتبطة بهذه المجالات، مشيرة إلى أوجه التقصير وعوامل النجاح والإنجازات، ونظرة متفحصة إلى المستقبل انطلاقاً من نتائج هذا التقييم.
ولعلّ أبرز هذه التقييمات، تلك المتعلقة بما تسميه إسرائيل "التحديات الأمنية"، خاصة وأن السنة اليهودية الجديدة، جاءت مترافقة مع مرور ربع قرن على اتفاق أوسلو، الذي راهنت الدولة العبرية أنه كفيل بتوفير الأمن، على مستوى الأفراد والدولة في إسرائيل، ولوحظ في أحد جوانب التقييم الأمني لهذا العام المنقضي، نجاحان أساسيان: الأول، يأتي في سياق نجاح الدولة العبرية في عدم الانزلاق إلى حرب جديدة، إذ إنها لم تنجرّ إلى حرب في سورية رغم إغراءات ذلك ومطالبة العديد من قادة المستويات الأمنية والسياسية بهذه الحرب، وهو نفس الأمر فيما يتعلق بجبهات غزة ولبنان وإيران، وأن ذلك وفّر لإسرائيل نجاحات عديدة، خاصة فيما يتعلق بالتوصل إلى مساومات وصفقات مع الاتحاد الروسي، الذي مكنها من التحرك عملياً وعسكرياً وشن ضربات محسوبة، من دون التورط في حرب جديدة، هذا هو الإنجاز الأساسي الأول، وفقاً لبعض التقييمات!، مع أن هناك إشارة واضحة، إلى أن فشل إسرائيل في هذا السياق، عدم القدرة على وقف الطائرات الورقية الحارقة التي تشن من حدود قطاع غزة، الأمر الذي شكّل صدمة في هذا التقييم، ذلك أن مثل هذا الفشل قد يجر الدولة العبرية إلى حرب جديدة، لا تسعى إليها!
تشير هذه التقييمات إلى إنجازات حقيقية تمت ترجمتها من خلال إدارة ترامب، التي أدارت ظهرها لحل الدولتين، وأقدمت على اتخاذ قرارات ساخنة فاجأت إسرائيل التي لم تكن تراهن خلال الحملة الانتخابية لترامب على بلوغها، الاعتراف بالقدس عاصمة لها، ونقل السفارة وبسرعة ملحوظة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ثم الموقف الصاخب إزاء قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، من خلال وقف الدعم المالي الأميركي لوكالة الأونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف معظم الدعم المالي للمجتمع المدني الفلسطيني، خاصة في مجالات التعليم والصحة، وربما استثناء الدعم المالي الأميركي من هذا القرار، للمؤسسة الأمنية الفلسطينية، يعتبر إنجازاً بحد ذاته، إذ إن ذلك يعتبر تشجيعاً لاستمرار التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
لتوفير مستوى أهم من الأمن لإسرائيل، من دون الإقدام والانزلاق إلى حرب جديدة، الانفتاح مع موسكو من ناحية، كما ذكرنا، وإقامة علاقات "من تحت الطاولة" مع أنظمة عربية، خليجية بالتحديد، ما وفّر لإسرائيل عناصر ضغط على الجانب الفلسطيني، و"وساطات" مكّنتها من عدم الانزلاق إلى حرب، خاصة مع تصاعد التوتر في قطاع غزة!
التقييمات بشأن "التحديات الأمنية" لم تتوقف عند هذه الصورة الإيجابية التي لم توفر فرصة حقيقية لدراسة حقيقية وجدية لقدرة الجيش الإسرائيلي على شن حرب، فماذا لو انزلقت إسرائيل إلى حرب جديدة، حتى لو لم تكن ترغب فيها؟ هنا تأتي تقييمات غاية في السلبية، بل والاتهامية إلى حد بعيد، فمع بداية سنة يهودية جديدة، تراكمت مطالبات من مستويات رقابية أمنية وعسكرية، بضرورة تشكيل لجان تحقيق مستقلة عن الجيش، للتدقيق في مدى جاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب؟! وذلك إثر الخلاف الحاد والمدعم بالوثائق بين مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، يتسحاق بريك، ورئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، الأول يؤكد من خلال عدة وثائق، مستوى عالياً من التقصير وعدم الاستعداد لأي حرب وأن الجيش غير قادر، بل عاجز عن تحقيق انتصار في حرب قادمة، بينما الثاني يقول إن الجيش الإسرائيلي بكامل جهوزيته لأي حرب، الأمر الذي اعتبرت فيه أوساط رقابية وإعلامية، أن هذا الجدل حول مدى جاهزية الجيش للحرب، تعكس قلقاً عميقاً على أحوال الجيش، خاصة لدى القوات البرية، وكما تعكس من ناحية أخرى عجز الجيش عن فحص الأخطاء ومراجعة الفجوات في استعداداته، والتركيز على الميزانيات من دون أي تحسن واضح على الأداء المتوقع!
عام يهودي جديد، والتحدي الحقيقي لا يزال قائماً، متمثلاً في صمود الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، متمسكاً بحقوقه مناضلاً بكافة السبل والوسائل لنيل حقوقه بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967!