يبدو أن هذا الختيار يصرخ في واد؟

thumbgen (7).jpg
حجم الخط

 

 من ينظر للكيفية التي تعاملت فيها "حماس" مع اتفاقية "أوسلو" التي وقّعت تباعا منذ 25 عاما يصاب بالغثيان من الطريقة التي انتهجت نهج الشرود عن النقاش بالشتائم والاتهامات دون محاكمة أو قراءة معمقة او نقد علمي موضوعي ولو نسبي.
ونظرة بسيطة للّقاء أو المؤتمر الذي عقد في غزة حول هذا الشأن تجعلك تعفّ عن النظر في مضمون الكلام فانت لن تستفيد الا أن تكتسب جملا او صياغات جديدة في قاموس الشتائم إن رغبت في إثرائه لديك؟!
فمما قاله د.محمود الزهار حول "اتفاق أوسلو المشؤوم" كما أسماه مطالبته "بضرورة اعتراف فريق اوسلو بفشل الاتفاقية والاعتذار لشعبنا"، ومشيرا الى أن اتفاق أوسلو كان بمثابة صك للاحتلال للتنازل عن الحقوق والثوابت".
ومما قاله خليل الحية عن الاتفاق في 12/9/2018 أن: "حركة فتح تعترف بوجود الكيان الصهيوني وأقرت باغتصابه لحقوقنا المشروعة وتنازلت بموجب ذلك-في أوسلو- عن 78% من أرض فلسطين مقابل حكم ذاتي هزيل". 
في حماس اعتبروا أن الانقلاب من فصيلهم عام 2007 على غزة لم يكن انقلابا، رغم أنهم هم أسموه "الحسم العسكري"؟! وإنما الانقلاب بدأ مع اتفاقية اوسلو عام 1993! حيث قال الحية: "أن الانقسام لم يبدأ منذ 12 عاماً وإنما منذ يوم أوسلو المشؤومة قبل ربع قرن"؟!
عبداللطيف القانوع الناطق باسم فصيل "حماس" ضمن تنظير عقلية الفسطاطين-المعسكرين التي ترفض (م.ت.ف) قال عن "أوسلو الكارثية" هذه المرة:"اوسلو هي نقطة الانقسام السياسي والحقيقي بين ابناء الشعب الفلسطيني، منذ اوسلو انقسم شعبنا الفلسطيني الى مسارين مسار يؤمن بمشروع التسوية والمفاوضات العبثية مع الاحتلال ومسار يؤمن بالمقاومة" ليصل لنتيجة قاطعة هي "أن مصيبة القرن الحادي والعشرين هي اتفاقية اوسلو"!؟ فليس ترامب ولا شارون ولا رابين ولا نتنياهو ولا الاحتلال ولا ولا ولا هي مصيبة القرن! وفقط يتموضع اتفاق اوسلو كمصيبة القرن في جناس وطباق لغوي مع "صفقة القرن".
وفي تكرار أمين لما قاله خليل الحية في 13/9/2018 أن "أوسلو أسوأ من وعد بلفور المشؤوم" ومضيفا أي الحية عن فريق أوسلو أنه: " جدد وعد بلفور بأسوأ صورة عرفها التاريخ"؟!
بينما خالد البطش من قيادة الجهاد الاسلامي اعتدل بنقده، فلم يلجأ للشتم بحيث اعتبر أوسلو "اجتهادا خاطئا"، ولربما أصاب بطريقة نقده، وان لم يتعمق بالتفاصيل.
اما حين النظر للتعامل مع الاتفاق من قبل بعض مراكز الدراسات والمؤسسات الفلسطينية في الوطن والخارج فإنك تشعر بالتقدير والاحترام، حتى لو خالفتك هذه المؤسسات في الرأي ووجهة النظر، لكنها تتعامل بعقلانية وموضوعية وعلمية تبهرك، مكررا سواء اتفقت معها اواختلفت.
ولك أن تجد عددا من الكتاب والقيادات الناجحة مع نفسها في "حماس" وحركة فتح و"الديمقراطية" و"الشعبية" وغيرها التي لجأت للأسلوب الذي يحترم عقول الآخرين حين التعرض للاتفاقية- او غيرها من مواضيع النقد.
ونجد التحذير والحرص الوطني الى حد البكاء أو التطرف اوالانفجار حيث يكتب د.مصطفى اللداوي القيادي في حركة حماس أن (الانقسام يسفه الحكيم، ويذهب بعقل الحليم، ويفض جمع المخلصين، ويقصي عن القرار الصادقين، ويصنع منزلةً للمعدم، ويفسح مكاناً للتافه الحقير، والتابع الذليل، والمطية الضعيفة، الذين ينفذون سياسة العدو من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فهل تستفيق قيادتنا الرسمية وفصائلنا الوطنية وتصحو من غفلتها، وتتنازل لبعضها من أجل شعبها وحرصاً على قضيتها، أم تدفن رأسها في الرمال، وتبقى سادرةً في تيهها وضلالها، وتكون شريكاً لعدونا في وأد شعبنا وتصفية قضيتنا) 
وحين القراءة في الاتفاق ذاته نجد في الصحافة العبرية من المواقف المسيئة لنا الكثير كالعادة، وفي المقابل نجد الانصاف من القلة أمثال الكُتّاب: عميرة هس وجدعون ليفي.
هذا ما كان من شأن التعامل مع اتفاقية اعتبرت حينها ممرا اجباريا نحو الدولة المستقلة، كما عمّم علينا الراحل صخر حبش في نشرة فتح المركزية، ولم تعتبر انجازا او نصرا مطلقا، رغم ان الطرف الآخر كان يُضمر -كما ظهر عمليا- عدم قيامها مطلقا كما أوردت عميرة هس ولم يشذ عنها ليفي أيضا، وكما هو واقع الحال اليوم من الاسرائيلي.
الراغب في نقد اعلان "أوسلو" الذي وقع في واشنطن عام 1993 "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الإنتقالي" يجب أن يطلع على "نص اتفاق القاهرة عام 1994 حول تنفيذ الحكم الذاتي في غزة وأريحا"، وله أن يقرا لاحقا اتفاقية الحكم الذاتي المرحلي أوما عرف باتفاقية طابا او اتفاقية أوسلو2 الموقعة عام 1995 والاتفاقات اللاحقة ليستطيع أن يقرب "شتيمته" بقليل من القطران! أي بقليل من الحقائق المرتبطة بالاتفاقيات، ولكن هيهات هيهات فالأصل هو الشتيمة والفرع أوالهامش هو الحقيقة.
ومع الشتيمة لا تجد أي خطة او منهج او برنامج عمل وطني للخروج من المأزق، الا ترداد الشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
بنفس القدر المرتبط ب"علم" الشتائم ينال الختيار الفلسطيني الثاني وهو الرئيس أبومازن نصيبه الشنيع من مجمل الشتائم، وكأن الرجل قد أصبح مهدافا سهلا، فتثار الاتهامات حول شيخوخته وقدراته، ويقع شتمه عبر بوابة "اوسلو" وتعريضا بالختيار الاول وهو ياسر عرفات، لا يفرقون أبدا، فهما من معسكر الباطل كما أشار أكثر من قيادي في حماس على مدار الخلاف.
الاول وهو ياسر اعرفات حين أدرك الخديعة صنع انتفاضة، وحين أدركها الثاني وهو محمود عباس صنع مقاومة سلمية رباعية الأبعاد تشكلت من مقاومة شعبية وإن غير مكتملة، وحراك دولي فعال مع ضعف عربي وتقصير عجيب، ومسار قانوني بدأ يحبو، وأستل الختيار معها خنجر الرواية الحقيقية في مواجهة غثاء الخرافات الصهيونية، وبانتظار رفع علم الوحدة الوطنية المنكس.
هل يصرخ الاخ أبومازن في واد، والناس في واد آخر؟ والقيادات السياسية كل في فلك يسبحون؟ لربما، فكل في مساحته يسيطر ويكتم النوايا ويتقدم بخطوط متوازية، وكأن اللقاء أصبح من المستحيلات.