«الخوف: ترامب في البيت الأبيض» 1-2

حسن خضر.jpg
حجم الخط

ملأ بوب وودورد الدنيا وشغل الناس على مدار أسابيع سبقت نشر كتابه "الخوف: ترامب في البيت الأبيض". فالمذكور أسهم في كشف ما عُرف بفضيحة ووترغيت، التي أطاحت بنيكسون، وفي رصيده أكثر من جائزة مرموقة، وسلسلة من الكتب عن ساكني البيت الأبيض، وإداراتهم، على مدار أربعة عقود، علاوة على وظيفته كمحرر مساعد لجريدة واشنطن بوست، وهي من حيتان الصحافة الأميركية، والعالمية.
ومع ذلك، فإن كل ما تقدّم، على أهميته، لا يكفي لتفسير لماذا ملأ الدنيا، وشغل الناس، إلا إذا وضعنا في الاعتبار حقيقة أن الكتاب عن دونالد ترامب، الذي واكبت عهده، وما تزال، فضائح أخلاقية، واستقالات من جانب كبار مساعديه، ولجنة تحقيق في تواطؤ محتمل مع الروس، ومحاكمات لبعض مساعديه السابقين بتهم من نوع النصب والاحتيال، ناهيك عن تقارير وتسريبات تكاد تكون يومية عن فوضى الإدارة، ونزوات الرئيس.
وإذا وضعنا التقارير الصحافية اليومية جانباً، فإن هذا ما كرّسته، أيضاً، سلسلة متلاحقة من الكتب التي تراوحت ما بين التشكيك في القدرات العقلية لترامب من جهة، ورصد البراهين على وجود مؤامرة أوصله الروس بموجبها إلى البيت الأبيض، من جهة ثانية. ومن أبرز ما صدر كتاب جيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي أتهم ترامب بالتصرف على طريقة رؤساء المافيا، و"النار والغضب" لمايكل وولف، الذي استفاض في وصف فوضى البيت الأبيض، وارتياب المساعدين وموظفي الإدارة في كفاءة الرئيس، وأخيراً، كتاب أوماروزا، الأميركية من أصول أفريقية التي كانت من كبار معاونيه، بعنوان "المعتوه". لم يعجبني الكتاب الأخير، على نحو خاص، فصاحبته التي انفصلت عن ترامب من فصيلته حتى وإن اختلفت معه.
على أي حال، كل ما تقدّم لا ينفي حقيقة أن عدداً موازيا من التقارير الصحافية، خاصة على شاشة فوكس نيوز ("جزيرة" أميركا)، والمواقع الإعلامية لليمين والمحافظين، وآلة الجمهوريين الدعائية، تصوّر ترامب بطريقة مغايرة تماماً بوصفه صاحب رؤيا سياسية، وشخصية كارزمية تحظى بتأييد كثير من الأميركيين، علاوة على محاولته الناجحة حتى الآن للنيل من "نخبة واشنطن"، و"مؤسسة الدولة العميقة"، وكلتاهما، في نظر هؤلاء، مسؤولة عن تدهور أميركا في الداخل والخارج. "صحيح" أن "معارف الرئيس قليلة"، يعترف كل هؤلاء، ولكن "حدسه قوي، وحاسته السياسية نادرة".
والمُلاحظ، وهذه مفارقة يجب ألا تثير الدهشة، أن أبرز محاميه، ومستشاريه، من طراز أستاذ القانون في جامعة هارفارد، آلان ديرشوفيتس، نشر كتاباً على هيئة فتوى قانونية ضد محاولات عزل ترامب، وسبق للأخ ديرشوفيتس أن نشر كتاباً بعنوان "المرافعة من أجل إسرائيل". وهذا يصدق، أيضاً، على غي سيكلوف، أحد كبار محاميه، الذي نصّب نفسه خبيراً في شؤون الإسلام السياسي، ونشر كتاباً عن داعش. ونويت غينغرتش، الرئيس السابق لمجلس النواب، الذي أفتى، ذات يوم، بعدم وجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني. وقد نشر الأخ المذكور حتى الآن كتابين في فن المديح عن "أميركا ترامب"، و"كيف نفهم ترامب".
المقصود من هذا كله أن مُعارضي ترامب ومؤيديه، ولوبيات السياسة والإعلام في واشنطن، وما لا يحصى من الأميركيين، والمهتمين في مناطق مختلفة من العالم وحكوماته (التي تقرأ) انتظروا كتاب "الخوف" لوودورد. صدر الكتاب بصفة رسمية يوم الثلاثاء الماضي، ومن حسن حظ كاتب هذه السطور أنه حصل على النسخة الرقمية في اليوم نفسه، وفي اليوم نفسه، أيضاً، تصدّرت الطبعة الورقية واجهات المكتبات الكبرى في برلين، وفي عواصم أوروبية غيرها، على الأرجح.
وإذا كان من المألوف التعليق على كتاب ما استناداً إلى ما جاء فيه، فمن المفيد، بقدر ما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين (والعرب، ربما) البدء بما ليس فيه، فغياب واقعة من نوع ما لا يقل أهمية عن حضورها في كتاب كهذا يُراد له أن يكون شاهداً على، وشهادة عن، ترامب منذ الإعلان عن دخول السباق الرئاسي، في صيف العام 2015، وحتى أواخر شهر مارس (آذار) من العام الحالي 2018. وما ليس فيه يتعلّق بالفلسطينيين فلم يرد ذكر لهؤلاء، بالمطلق، في كتاب يُوثّق باليوم، وأحياناً، بالساعة لأحداث كبيرة وصغيرة تتعلّق بوجود ترامب في البيت الأبيض وهموم ومشاغل الإدارة الداخلية والخارجية.
ففي شهر مايو (أيار) 2017 زار الرئيس الفلسطيني واشنطن، واجتمع بترامب في البيت الأبيض، وفي أواخر العام نفسه أعلن ترامب عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقبل الزيارة والإعلان تكلّم عمّا أسماه "صفقة القرن"، ولم ترد كل هذه الأحداث في "حوليات" البيت الأبيض، كما دوّنها وودورد، على الرغم من حقيقة أن زيارة الرئيس الهندي، أو العلاقة الخاصة بالرئيس الصيني، التي يعتقد ترامب أنها صداقة، أو سماع كلمة عابرة عن معادن أفغانستان الثمينة من الرئيس الكازاخستاني، والمشكلة مع رئيس كوريا الشمالية، قد احتلت، بما أثارته من تداعيات، مساحة كبيرة في الكتاب.
الغياب يثير الدهشة، ويستدعي التفسير، فقرار نقل السفارة يمثل تحوّلاً كبيراً بالمعنى السياسي والدبلوماسي، وكذلك موضوع "الصفقة" كائناً ما كانت، وصلتها بأشياء من نوع زيارات الرئيس الفلسطيني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن. لا يُعقل ألا تكون هذه الأحداث قد أثارت نقاشاً داخلياً، وربما خلافات، أو اجتهادات، تستحق التعليق والتوثيق. حزب الله يحظى بمكانة بارزة، وإيران تشبه المس العصابي، والسعودية وأموالها، وولاية عهدها، حاضرة، أيضاً، وشتيمة أو أكثر بحق رئيسين عربيين، ولكن أين "صفقة القرن"؟