لماذا تُعادي إدارة ترامب الشعب الفلسطيني؟

التقاط.PNG
حجم الخط

 

نفهم جيدا انحياز الرئيس الأمريكي ترامب إلى إسرائيل، لكن السؤال المهم، لماذا تُصعد إدارته عداءها للشعب الفلسطيني على هذا النحو البالغ القسوة، بدعوى أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تقُم بمسئولياتها إزاء دفع المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين، ولأن عناصر فلسطينية تدفع التحقيق ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، مع أن الرئيس ترامب هو الذي بادر بعداء الفلسطينيين، عندما أصر على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل منكراً حقوق الشعب الفلسطيني في المدينة المقدسة على غير إرادة العرب وأغلبية دول العالم، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يوم المذبحة التي لقي فيها 60 فلسطينياً مصرعهم في قطاع غزة برصاص الإسرائيليين، بما جعل السلطة الوطنية الفلسطينية ترفض الإبقاء على الولايات المتحدة وسيطاً أوحد في عملية السلام، وإن كان الرئيس محمود عباس عاد لقبول الدور الأمريكي في إطار وساطة أوسع تضُم عدداً من القوى الأوروبية.

ومع ذلك أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في 24 آب الماضي شطب مائتي مليون دولار من المساعدات الأمريكية للفلسطينيين قبل أن تقرر وقف تمويل الأونروا وكالة غوث اللاجئين التي تقدم العديد من خدمات الصحة والتعليم الأساسية للاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة والأردن وسوريا ولبنان بهدف تصفية قضية اللاجئين، بدعوى أن صفة اللاجىء الفلسطيني تنطبق فقط على 250 ألف لاجىء اضطروا للفرار من أراضيهم في فلسطين تحت إرهاب العصابات الإسرائيلية المُسلحة عام 48، أما أبناؤهم وأحفادهم الذين جاوز عددهم 6 ملايين نسمة فلا يحق لهم أن يكونوا لاجئين رغم أن المجتمع الدولي لم يتمكن من تصحيح أوضاعهم على امتداد هذه السنوات الطوال، هدف إدارة ترامب من ذلك أن تشطب حق العودة الذي كان أهم الدوافع التي أبقت على القضية الفلسطينية موضع اهتمام عربي وإقليمي ودولي، بل لقد وصل عداء إدارة ترامب للشعب الفلسطيني حد إلغاء مساعدات بقيمة 25 مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، وأخيراً قامت إدارة ترامب بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وطلبت من العاملين فيه مغادرة الولايات المتحدة في غضون شهر على الأكثر، لأن الفلسطينيين ذهبوا إلى محكمة العدل الدولية يطلبون التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وتمكنت بعدوانها المستمر من السيطرة على 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية.

والمؤسف أن تتورط الولايات المتحدة على لسان مستشارها للأمن القومي جون بولوتون في تهديد محكمة العدل الدولية بفرض العقوبات عليها وملاحقة قضاتها، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، ومصادرة أرصدة المحكمة الدولية المالية في المنظومة المالية الأمريكية، وتهديد أي شركة أو دولة تتعاون مع تحقيقات المحكمة الدولية بمصادرة أموالها، رغم أن محكمة العدل الدولية مؤسسة مستقلة تدعمها 123 دولة.

وبالطبع إعتبر بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل قرارات الإدارة الأمريكية بعقاب الشعب الفلسطيني بما في ذلك قرار غلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن قرارات صائبة، وأكد نيتانياهو دعمه لكل إجراءات واشنطن ضد الشعب الفلسطيني لأنه يرفض الإذعان لمطالب إدارة ترامب والعودة إلى مائدة التفاوض المباشر بعد أن سحبت واشنطن قضية القدس من على مائدة التفاوض، واعتبرت قرارها بأن تكون القدس عاصمة لإسرائيل حلاً للمشكلة دون أن تستجيب لمطلب الفلسطينيين والعرب والعالم بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، والواضح أيضاً أن الولايات المتحدة تنسحب من حل الدولتين، وترفض اعتباره الحل الوحيد الصحيح لمشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، بما يؤكد أن الولايات المتحدة لم تعُد تصلُح لأن تكون وسيطاً نزيهاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما تتجاهله واشنطن أن تصعيدها للعداء مع الشعب الفلسطيني على هذا النحو الشديد القسوة لا يخدم عملية السلام ولكنه يقوي التطرف، لأن الإسراف في الظلم على هذا النحو لا يفقد فقط الولايات المتحدة مصداقيتها، ولكنه يُغذي ويؤجج العنف والرغبة في الانتقام، خاصة أن تصعيد العداء مع الشعب الفلسطيني لم يترك للفلسطينيين أي فرصة سوى حث محكمة العدل الدولية على الإسراع في تحقيقاتها في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، والتفكير في تفعيل كل أدوات القانون الدولي ضد جرائم إسرائيل، بل ثمة من يضغطون على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة إلغاء إتفاقات أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والوقوف بقوة أمام مخطط إسرائيل لهدم قرى الخان الأحمر قريباً من القدس الشرقية، التي سلمت إسرائيل أهلها الفلسطينيين إنذارات بإخلاء منازلهم وترحيلهم ضمن مخطط لتوسيع المستوطنات على حساب الأرض والسكان الفلسطينيين، الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى أن تطلب من محكمة العدل الدولية النظر في قضية قرى الخان الأحمر باعتبارها جريمة حرب جديدة ترتكبها إسرائيل، خاصة أن خمسا من الدول الأوروبية الكبرى أدانت مخططات إسرائيل لهدم قرى الخان الأحمر وترحيل سكانها ضمن مخطط توسيع المستوطنات حول القدس.

وفى مفاجأة غريبة قالت صحيفة «فلوبس» الاقتصادية نقلاً عن مسئولين فى البيت الأبيض، ان جارد كاشنير صهر الرئيس ترامب والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جايسون جرينبلات اقترحا على الرئيس ترامب أن يدفع للرئيس محمود عباس مبلغ 5 مليارات دولار وضمان مبلغ مماثل من الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية لتمويل مخطط لإعادة التأهيل والتنمية الاقتصادية للسلطة الفسطينية بما في ذلك قطاع غزة، إن قبل الرئيس الفلسطيني الرضوخ للمطلب الأمريكي والعودة إلى مائدة التفاوض المباشر مع الإسرائيليين في إطار جدول زمني ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال رؤية الرئيس ترامب التي ترفع مدينة القدس من مائدة التفاوض بعد اعتراف الولايات المتحدة بها عاصمة لدولة إسرائيل!.

وبرغم أن البيت الأبيض نفى على لسان المبعوث الخاص جرينبلات العرض الذي نقلته صحيفة «فلوبس» ووصفه بالأسطورة مؤكدا أن من العبث دفع 5 مليارات دولار لطرف مقابل عودته إلى مائدة التفاوض لكن صهر الرئيس ترامب بدا واثقاً من أن العقوبات التي اتخذتها إدارة ترامب سوف تساعد عملية السلام، رغم أن المؤكد أن يرفض الرئيس محمود عباس العرض المذكور والذي يبدو واضحاً أنه يشكل ثمناً للتنازل عن القدس.

وحسناً أن أدان وزراء الخارجية العرب في اجتماع الدورة الـ150 لمجلس الجامعة مخطط الإدارة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وإزاحتها من خارطة الاهتمامات الإقليمية والدولية فيما يكاد يكون مجزرة سياسية لحقوق الشعب الفلسطيني، وحسناً أن تطوع العرب بتقديم 200 مليون دولار لدعم وكالة غوث للاجئين التي ترفض الولايات المتحدة الإسهام في تمويلها، وترغب في تصفيتها كي لا يكون للاجئين الفلسطينيين أي عنوان دولي.

لكن السؤال المهم، هل تكفي هذه الإجراءات لمواجهة مخاطر الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، أم أن الأمر يتطلب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل واستعادة وحدة الصف الفلسطيني وتحقيق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس ومساندة جهود القاهرة في تحقيق ذلك، والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وبدء تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

وما لم تتحقق هذه الأهداف فسوف ينجح مخطط الإدارة الأمريكية خاصة أن الشعب الفلسطيني عيل صبراً من الانقسامات التي كسرت ظهره لأسباب عقائدية غير صحيحة، ولأنه في ظل الانقسام الراهن لن تنجح فتح ولن تنجح حماس وسوف يدينهما التاريخ باعتبارهما المسئولين الأول عن ضياع قضية الشعب الفلسطيني، بل ربما كان ضرورياً أن يفهم الفلسطينيون بكل وضوح أنهم لن يتحصلوا على الدعم العربي الحقيقي في ظل هذا الانقسام الذي أنقض ظهر الشعب الفلسطيني الذي يفقد الثقة في كافة قياداته السياسية، ويحتاج إلى قيادة موحدة جديدة، صحيح أن مقاومة الشعب الفلسطيني لتصفية قضيته لم تفتر بعد، وأن المقاومة مستمرة تبحث عن وسائل ومسارات جديدة كلما سدت إسرائيل مسار المقاومة، وصحيح أن المساندة العالمية، للشعب الفلسطيني لم تزل قائمة وموجودة، لكن الولايات المتحدة التي أصابها هياج الثور الغاضب لا تزال فاعلة ومؤثرة رغم مخاصمة دول الغرب الأوروبي لكثير من تصرفات الإدارة الأمريكية، وخلاصة القول يجب أن تفيق القيادات الفلسطينية لخطورة الموقف الراهن وتدرك أن الشعب الفلسطيني يفقد ثقته في معظم القيادات السياسية وأن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولوية مهمة لا تسبقها أي قضية أخرى.

...عن «الأهرام» المصرية