صعدت الاضطرابات في "جبل البيت" (الحرم) إلى العناوين الرئيسة في الأيام الأخيرة، حيث اندلعت هذه الاضطرابات على خلفية صلوات التاسع من آب والشابة أفيا موريس، التي وثقت في نهاية الاسبوع الماضي وهي تشتم المصلين المسلمين وتقول: "محمد خنزير"، ما اشعل الارض وأثار عاصفة.
"لا يمكن السكوت اكثر من ذلك عن الاهانات لليهود في جبل البيت"، قالت موريس، التي رفضت الاعتذار عن أقوالها.
الاضطرابات الأخيرة هي فقط جزء من اهتمام متزايد للشخصيات العامة، من سياسيين ومصلين عاديين، بالحرم وبالحجيج اليه.
فقبل بضعة أشهر صعدت المسألة الى العناوين الرئيسة بعد أن اطلقت النار على نشيط اليمين ورئيس صندوق "تراث جبل البيت"، يهودا غليك، الذي يعمل كثيرا من أجل حجيج اليهود إلى الحرم، وقبل ذلك أُبعد غليك عن النطاق ورفعت ضده لائحة اتهام بتهمة الاعتداء على مسلمة اثناء زيارته الى الحرم.
ما الذي يقف خلف الاهتمام المتزايد للحرم؟ لو كنتم سألتم ابنة معهد ديني قبل عشر سنوات في أي اتجاه تصلي لقالت باتجاه "المبكى". لقد كان هذا الجواب منتشرا في اوساط التلاميذ والخريجين من ابناء عكيفا.
الحائط الغربي (المبكى)، الأثر الاكثر شهرة للسور الذي أحاط "جبل البيت"، كان في نظر الكثيرين المكان الأكثر قدسية لليهود.
ومع ذلك، من حيث الحقائق فان الحائط ليس المكان الاكثر قدسية، بل "جبل البيت"، مكان "الهيكل"، وانزال العيون عن الجبل الى الحائط شكل على مدى السنين ايديولوجيا حقيقية، يحركها المؤمنون من الجمهور الصهيوني – الديني بالحجيج إلى الجبل والارتباط به لاعتبارات عديدة، أحدها هو الخوف من فرض الخلاص وعدم مواصلة الانتظار والصلاة، مثلما فعلنا الفي سنة في المنفى.
وحتى اولئك من تلاميذ الحاخام كوك، الذين يرون في دولة اسرائيل "بداية الخلاص"، شعروا بأن احتلال "الجبل" هو شيء اكثر قليلا مما ينبغي.
وهناك من ادعوا أنه صحيح، ولكنه يسبق زمانه، وأن نفس الشعب الجالس في صهيون ليست قادرة بعد على ان تحتوي "جبل البيت". وبالتالي، فان الحظر الفقهي للحجيج الى الجبل قضى على تحقيق الحضور اليهودي فيه.
يُفصلون عن الآخرين
في الماضي كان هناك حاخامون قليلون أباحوا الحجيج الى "جبل البيت"، وقد علقوا معارضتهم على حقيقة اننا في البداية لا نعرف أين بالضبط كان "الهيكل"، وعليه فان حجيجنا إلى "الجبل" من شأنه أن يدنسه. وثانيا، كلنا مدنسون وإلى أن نتطهر برماد البقرة الحمراء (التي هي غير موجودة) لن نتمكن من الحجيج الى الحرم.
في الثمانينيات كانت هناك منظمة واحدة دفعت هذا الموضوع إلى الامام – "امناء جبل البيت"، بقيادة غيرشون سلومون. وعلى مدى السنين عنيت بشكل حصري بالموضوع، الى أن قامت في السنوات الاخيرة، في ضوء استيقاظ الموضوع، جمعيات ومنظمات عديدة تتجه جميعها إلى "جبل البيت". "نساء من أجل الهيكل"، "معهد الهيكل" (الذي يعد أدوات العمل في "الهيكل" ويدرب كهنة ومساعدين يقومون بالعمل)، محاضرات يهودا غليك في ارجاء البلاد، "طلاب من أجل جبل البيت" وبالطبع "جولة أبواب"، المبادرة التي يتجول فيها الآلاف حول بوابات "جبل البيت" في بداية كل شهر وعددهم يزداد باستمرار ويصل إلى الآلاف.
نحو 1.000 يهودي متدين يحجون إلى الحرم كل شهر، ومع أنهم يمنعون من الصلاة في الحرم، فإنهم يصلون إليه، وليس إلى الحائط الذي يمثل في نظرهم المنفى والخراب.
في نهاية الاسبوع الماضي، عشية التاسع من آب، نقل عن الحاخام اسرائيل ارئيل، رئيس "معهد الهيكل"، أنه قال إنه يمكن إلغاء صوم التاسع من آب، فقط لو كنا نحج ونضع حجر الزاوية لبناء "الهيكل"، أو أنه يمكن للحاخامية الرئيسة لاسرائيل عندها ان تلغي الصوم والصومين الآخرين المرتبطين بـ "بيت الهيكل": صوم 17 تموز وصوم 10 آب.
لماذا يحصى اليهود المتدينون على نحو منفصل عن أولئك ممن يعتمرون "الكيبا"؟ لأن اليهود المتدينين يحجون الى الحرم عبر باب المغاربة (المدخل الوحيد الذي يسمح منه حجيج اليهود، خلافا للسياح والمسلمين)، يفصلون عن باقي الجمهور الذي يحج الى الحرم من قبل الشرطة. "في باب المغاربة يقومون بعملية انتقاء"، كما يبلغ في تقريره أرنون سيغال، الصحافي الذي يغطي احداث الحرم في عاموده الاسبوعي "صفحة البيت". "مجموعات اليهود المتدينين محددة في حجمها مسبقا، ويوقفونها عمداً، في الشمس وفي المطر على مدى ساعات".
وعلى حد قوله، قبل نحو اسبوعين نظرت مجموعة كهذه بعيون تعبة كيف تمر مجموعات السياح قبلها على مدى ساعتين ونصف الساعة الى أن قررت سد الجسر حتى يسمح لها بالحجيج. وهددت الشرطة بجلب قوات وحدة "يسم" الخاصة لتفريقها.
بعض المحافل اليهودية المتعلقة بالحرم يتحدثون عن تواجد يهودي في الحرم، بعضهم يتحدثون عن فرض مكانة مغارة الماكفيلا (الحرم الابراهيمي) على الحرم (بمعنى تقسيم الحرم إلى منطقة اسلامية واخرى يهودية بحيث تتمكن الديانتان من الصلاة في المكان دون أن تزعج الواحدة الاخرى)، بعضهم يروجون لإقامة كنيس في المكان وبعضهم، مثل "معهد الهيكل"، ينتظرون يوم الامر الذي سيضعون فيه حجر الاساس لـ "الهيكل"، وفي المعهد يربون بقرة حمراء لغرض التطهير.
اليوم يبيح المزيد فالمزيد من الحاخامين الحجيج إلى الحرم في الاماكن التي لا خوف في أنه كان فيها "الهيكل".
وحسب اليهودية الارثوذكسية، يجب التعمد قبل الحجيج ولا يجب الحجيج بأحذية من الجلد. ساعات الحجيج لليهود الى الحرم في ايام الاحد حتى الخميس، في ساعات 8:30 - 11:30 و 13.30 – 14:30.
في التوقيت الشتوي يتغير الوقت، وفتح الحرم واغلاقه يقدم بساعة.
لقد اصبح موضوع الحرم جزءا من الخطاب بشكل واسع لدرجة أنه دخل كسؤال في صيغة التربية المدنية لأحد المعاهد: "مرشد جولات معروف في جبل البيت حصل من الشرطة على أمر ابعاد يمنعه من الاقتراب من جبل البيت بدعوى أن عمله يؤدي الى الاخلال بالنظام العام وتهديد سلامة المصلين في جبل البيت.
المرشد رفع التماسا إلى محكمة العدل العليا يطالب فيه بالغاء الامر، وفي ختام الاجراء القانوني تقرر بأن الامر لم يكن مبررا فألغته الشرطة. توجه المرشد أيضا إلى المحكمة بدعوى تعويض من الشرطة عن الفترة التي على مداها منع من ارشاد المجموعات في جبل البيت".
في اطار السؤال يطلب من التلميذة: "أشيري واعرضي نوع الانظمة التي اتخذتها الشرطة في اصدار امر الابعاد للمرشد" وكذا "اشيري واعرضي الحق الذي باسمه توجه المرشد الى المحكمة. اشرحي كيف مس بهذا الحق".
تفتت الفكرة الأساس
رغم الاستنزاف المقصود، على حد قول سيغال، فان ساعات الفتح القليلة والقيود الكثيرة التي تنطبق على اليهود الذين يحجون إلى الحرم، فان عدد اليهود الذين يحجون إلى الحرم يزداد كل الوقت. فاذا كان في العام 2012 حج الى الحرم نحو 5 آلاف يهودي، ففي العام 2014 تضاعف عددهم، رغم أن المعاملة لهم ساءت بكثير.
بالتوازي مع اليقظة اليهودية، وعلى ما يبدو بسببها، "تطرف" المسلمون أيضا في سلوكهم تجاه اليهود ممن يحجون إليه. في العمل تعمل مجموعة من النساء اللواتي يسمون "مرابطات" بتمويل من جمعيات اسلامية، ويصل أجرهن الى نحو 4 آلاف شيكل في الشهر، وكل دورهن هو "هز أمن الزوار في الحرم وكذا التسبب بتصعيد التوتر بل والاخلال بالنظام في ظل المس بسيادة اسرائيل في النطاق"، هكذا حسب جهاز الامن العام "الشاباك"، وفي اطار ذلك، تشتم النساء اليهود الذين يحجون إلى الحرم، بل وتسجل احيانا احداث عنف جسدي بين الطرفين.
"لا شك ان هناك ميل يقظة تجاه جبل البيت"، يدعي د. تومر برسيكو، زميل باحث في معهد هيرتمان. "وقد بدأت هذه في منتصف التسعينيات، وتلقت تعزيزا كبيرا لها في سنوات الالفين بقبول وشرعية الحجيج الى الحرم، وبشكل اقل – في الرغبة في بناء الهيكل.
نحن نرى المزيد من الناس ممن يحجون الى الحرم، وهناك ظهور اوسع للموضوع في الخطاب الجماهيري. والى جانب ذلك توقف التصنيف لهؤلاء الاشخاص كـ "هاذين" مرفوضين داخل الصهيونية الدينية. فمثلا، في استطلاع نشر مؤخرا جاء أن 70 في المئة من الصهاينة المتدينين يريدون الحجيج الى الحرم. هذا معطى غير مسبوق.
كيف يمكن تفسير الظاهرة؟
"يمكن شرح الظاهرة بتفتت الفكرة الاساس "الكوكية" (نسبة الى الحاخام كوك) الكلاسيكية في أن الحديث يدور عن دونم ودونم آخر، بلدة وبلدة أخرى، وهكذا نقرب الخلاص. هذه الرواية تلقت ضربة إثر ضربة – الانسحاب من سيناء، اتفاقات اوسلو واخلاء غزة وتدمير غوش قطيف – وما أن تفتتت هذه الرواية، حتى ظهرت قصص اخرى. احداها هي التطلع الجديد – القديم إلى "جبل البيت".
عن "معاريف"