حرب أميركا الأطول... ضد الشعب الفلسطيني!!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

في حوار قديم مع طالبتين أميركيتين كانتا تزوران الأردن، قالتا أن أميركا ديمقراطية. هناك، قالتا، تستطيع أن تقف على أي زاوية وتشتم الرئيس الأميركي نفسه. قلت إن من الصعب أن تكون "ديمقراطياً" بهذا المعنى، عندما يكون كل عملك في بقية العالم هو تقويض تطلعات الناس إلى الديمقراطية والحرية لتأمين هيمنتك على أقدارهم. وكان هذا صحيحاً، وما يزال، عندما يتعلق الأمر بأدوار الولايات المتحدة في تضييع حقوق الضعفاء في كل مكان، وأرواحهم أيضاً.

ربما باستثناء الأطوار الأولى من مشروع استعمار فلسطين الذي رعته بريطانيا الانتداب أو الأمر، سرعان ما التقطت الولايات المتحدة كيان الاحتلال هناك وتولته بالرعاية، على حساب الشعب الفلسطيني. وفي الحقيقة، عندما يفكر المرء في صعوبة النضال الفلسطيني وفداحة كلفته على الفلسطينيين، فإن هذه الصعوبة لا تأتي من وحشية المستعمرين المباشرين فقط. ولو كان هؤلاء يعملون بإمكاناتهم المادية الذاتية، وعلى أساس عدالة ولا عدالة أي قضية يتحدثون عنها، أخلاقية كانت أم سياسية أم تاريخية أم قانونية، فربما كانت معادلة الصراع لتختلف جذرياً. لكنهم أقرب إلى طليعة، تتلقى الدعم المالي والحربي والسياسي واللوجستي وكل سبل البقاء والاعتداء مما لا يقل عن أقوى قوة في العالم: الولايات المتحدة.

عندما يقال أن أطول حرب أميركية كانت فيتنام، ثم أصبحت أفغانستان المستمرة منذ نحو 17 عاماً، فإن ذلك يتجاهل حرب أميركا الأطول حقاً، الجارية منذ أكثر من 60 عاماً وما تزال، ضد الشعب الفلسطيني. وإذا تعقب أي تحقيق كل ضيم يصيب الفلسطينيين، من الضحايا إلى الأسرى، إلى المنفيين، إلى الثكالى والموتورين، إلى الانقسامات والمتلاعبين والانتهازيين، فلن يجد صعوبة في رؤية اليد الأميركية وراء كل شيء. وما تفعله أميركا الآن من محاولة كسر ذراع الفلسطينيين لإرغامهم على التنازل عن قضيتهم بهذا السفور، هو آخر الهجمات للانتصار في هذه الحرب.

لدى استعادة الصور والمشاعر الموجعة المقيمة لمذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين العُزل في بيروت في مثل هذا الأسبوع قبل 36 عاماً، لا بد أن يظهر طيف أميركا في نهاية السلسلة. وقت المذبحة، كان العدو الصهيوني ينهال على لبنان بكل آلته العسكرية الثقيلة من الهبات الأميركية لاجتثاث الفلسطينيين. وفي تلك الأيام، شخّص محمود درويش قائد الغزو: "يبذل الرؤساء جهداً عند أمريكا لتُفْرِجَ عنْ مياهِ الشربِ/ كيف سنغسل الموتى؟/... وحدنا نُصغي لما في الروح ِ من عبثٍ ومن جدوى، وأمريكا على الأسوار،ِ تهدي كل طفلٍ لعبةً للموتِ عنقوديةً/... نحتمي بستارةِ الشباكِ، تهتزُّ البنايةُ. تقفزُ الأبواب. أمريكا وراء الباب. أمريكا وراء الباب...".

في مقال مهم تحت عنوان "حل اللادولة"، كتب جيريمي هاموند قبل سنتين: "في حين سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى عرض نفسها كـ"وسيط نزيه" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن الحقيقة بالكاد تختفي تحت غطاء الخطابة الرقيق. إن الولايات المتحدة تدعم انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي مالياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً. والمساعدات العسكرية لإسرائيل تتخطى 3 مليارات دولار سنوياً، والتي تعمل في جزء منها كدعم يقدمه دافع الضرائب الأميركي لصناعة السلاح، حيث تستثمر إسرائيل في التكنولوجيا والأجهزة العسكرية الأميركية. وتستخدم إسرائيل بشكل روتيني الأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة لارتكاب جرائم حرب، مثل استهدافها المتعمد للمدارس والمستشفيات في غزة في إطار عقيدة الجيش الإسرائيلي المسماة، "عقيدة الضاحية".

وفي الحقيقة، تدفع الولايات المتحدة ثمن كل رصاصة وقذيفة تقتل فلسطينياً، وكل طائرة تقصف الفلسطينيين، والأصفاد التي يقيَّدُ بها الأسرى الفلسطينيون. وهي تفرض السياسات الدولية والعربية التي لا تنصف الفلسطينيين، وتغذي سبل الانقسام في الصف الفلسطيني وتبذل كل جهد لإفساد أصحاب القرار الفلسطيني. وليس ضحايا الحرب الأميركية الطويلة ضد الفلسطينيين بالمئات أو بمئات الآلاف، وإنما هم كل الملايين التي هي الشعب الفلسطيني، من جيل النكبة إلى آخر طفل فلسطيني يولد تحت الاحتلال أو في المنفى.

مع ذلك، يُقدر معظم المعلقين على آخر تجليات الحرب الأميركية على الفلسطينيين في شكل "صفقة القرن" أن أميركا لن تكسب هذه الجولة من الحرب أيضاً: الشعب الذي لم يتنازل عن قضيته طوال قرن من الاستهداف، لن يخضع الآن، ولا في أي وقت.