مستقبل المثلث الإيراني الروسي الإسرائيلي في سوريا

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

جددت روسيا، يوم الأحد الماضي تحميلها الإسرائيليين مسؤولية تدمير طائرة لها في سوريا، يوم 17 أيلول (الجاري)، قُتل على متنها 15 جنديا روسيا، ورغم أنّه لا يوجد مؤشرات على التصعيد بين الطرفين الروسي والإسرائيلي، فإنّ الحادث قد يكون مهماً في تشكيل المرحلة المقبلة، وخصوصاً مستقبل مثلث العلاقات الروسية – الإيرانية- الإسرائيلية في سوريا.

الروس يقولون أنّ إسقاط الطائرة، خطأ بنيران سوريا، سببه عدم التنسيق الإسرائيلي معهم، ويدّعي الإسرائيليون أن تحميلهم المسؤولية هدفه التغطية، خصوصاً أمام الرأي العام الروسي على الفشل العسكري في سوريا. ولكن الروس بكل الأحوال لا يُصعّدون أو يقومون بإرسال رسائل متوترة إزاء الإسرائيليين، على غرار ما فعلوه مع تركيا عام 2015، التي اعتبروها "طعنة في الظهر"، ووصف الرئيس الروسي ما جرى بأنه "سلسلة من الظروف الطارئة المأساوية".

ويبدو بوتين أقل حدة كثيراً من قادته العسكريين، الذين يريدون إلقاء اللوم على الإسرائيليين، ومبرره أنه في حالة تركيا كانت نيران تركية من أسقطت الطائرة الروسية، أما الآن فالوضع مختلف. ولكن رغم هذا فربما يسهم الحادث في تثبيت أمر واقع جديد في سوريا، يُبقي الإيرانيين هناك، بل ويقويهم، شريطة استمرار ابتعادهم عن الإسرائيليين، وتقديم ضمانات بعدم الاقتراب من الإسرائيليين.

في الواقع لا خلاف بين روسيا والإسرائيليين، أنّه تم توجيه إنذار من قبل الطيران الإسرائيلي إلى غرفة العمليات الروسية في القاعدة الجوية حميميم، ولكن الخلاف متى وُجِّه الإنذار، فالروس يقولون إنه قبل دقيقة فقط، وهذا غير كافٍ، أما الإسرائيليون فيقولون إنّه وُجه قبل هذا، وأنّهم ليسوا مجبرين على توضيح مكان طائراتهم أو أهدافهم التي سيقصفونها. أي أن الاتفاق الروسي-الإسرائيلي حتى هذه الحادثة على الأقل كان واضحاً؛ يمكنكم ضرب سورية وأي أهداف فيها متى شئتم، لكن مع إعلامنا سلفاً لننسحب من المشهد ونختفي، فنحن موجودون لهدف واحد وحيد، هو حماية النظام السوري ليس إلا، ولا علاقة لنا إذا قام الإسرائيليون بمحاولة ضرب حزب الله أو سوريا، ما دام ذلك لا يمس رأس النظام السوري، ولكن ربما يحدث بعض الاختلاف الآن.

وفي مطلع شهر آب الفائت أعلنت روسيا أن القوات الإيرانية سحبت أي أسلحة ثقيلة مسافة 85 كم بعيداً عن الجولان المحتل من قبل إسرائيل، ونقلت تقارير إخبارية، من ضمنها ما ذكرته وكالة أنباء "رويترز" أنّ الروس عرضوا ابتعادا إيرانيا 100 كم، ولكن الإسرائيليين يعتبرون ذلك غير "كافٍ".

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنّ الإسرائيليين شنوا في آخر 18 شهرا 200 هجوم في سوريا، ولم يوجهوا سوى 25 تحذيرا للروس، وترد صحيفة يديعوت أحرنوت، أّن هذا صحيح، ولكن السبب أنّ الاتفاق بين الطرفين أن تُرسَل الإنذارات إذا كانت الغارات قد تحتمل مواجهة روسية إسرائيلية، أما سوى ذلك فالضربات الإسرائيلية لا تحتاج إخبار الروس.

رغم أّن حادث سقوط الطائرة، غير مقصود، إلا أنه قد يسهم في تشكيل المرحلة المقبلة، فالروس يريدون الحفاظ على التحالف مع الإسرائيليين، وينجحون فعلا في جعل الإيرانيين يقدمون ضمانات وتطمينات للجانب الإسرائيلي، بإبعاد قواتهم، ولكن هناك خلاف حول مدى هذا الابتعاد. فبعد صمت إسرائيلي لسنوات على وجود القوات الإيرانية طالما كانت جزءاً من الصراع الداخلي في سورية، تثير هذا الموضوع الآن، بعد أن ظهرت مؤشرات على حسم النظام السوري وإيران للصراع، بفضل الدعم الروسي.

أعلن الروس بعد حادثة الطائرة، عزمهم تزويد القوات السورية بنظام دفاع صاروخي إس 300، والواقع أنه يمكن تصور مخطط روسي لاستغلال الحدث الأخير، للقيام بإقناع الإيرانيين بالتموضع في نقطة معينة، مقابل توفير قوة ردع جوية أكبر للجيش السوري، وجعل الإسرائيليين يوافقون على هذا الوجود، وعلى ترتيب إجراءات لمنع الصدام بين الطرفين.

حادث الطائرة كما يبدو يصب في ترتيب الأوضاع في سورية وفق التصور الروسي للتعايش بين الوجود الإيراني والمطالب الإٍسرائيلية بخطوط حمراء واضحة في سوريا، على غرار ما كان موجودا طوال عشرات السنوات مع النظام السوري، في سوريا ولبنان.

... عن «الغد» الأردنية