معاونو وكلاء النيابة والديبلوماسيون

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

في بيانها الذي شرحت فيه أسباب انسحابها من لجنة اختيار معاوني وكلاء النيابة في رام الله؛ قالت نقابة المحامين المُقدّرة شعبياً، في إحدى جزئيات شرحها، أن محامي بلادنا يحمون الحقوق والحريات العامة. ولم توضح الصيغة، إن كانوا يفعلون ذلك وحدهم أم إن هناك من يشاركهم في هذه الحماية، في ثنايا النظام السياسي الفلسطيني. ولم تُفصح الصيغة شيئاً، عن الذين ينتهكون الحريات العامة والحقوق ولم تسمهم بأسمائهم أو جهاتهم. لكن بيان النقابة وانسحابها من لجنة اختيار معاوني النيابة، يُحسب لها. فهذا هو الذي يمقدورها أن تفعله، لا سيما وأن وكلاء النيابة، وليس المعاونين، يجري إسقاطهم على ملاعب القضاء، بمراسيم رئاسية!

جمهور محامي بلادنا المنضوين في نقابتهم، ومعظمهم من الشُبان، يفعلون ما لم يفعله جمهور عتاولة التاريخ النضالي، وفرسان التصريحات، وما لم يفعله المعجبون بأنفسهم. فهؤلاء لا يقوون على تسجيل موقف اعتراض على أي شيء، حتى وإن كان ما يرونه بأمهات عيونهم، هو إطاحة الشفافية ومبدأ تكافؤ الفرص ومتطلبات المصلحة العامة وإنكار ضرورات قياس الجدوى، وتشويه صورة الحكم واحتقار العدالة، والإساءة لصورة العمل الفلسطيني. ولنأخذ بإيجاز شديد، الممارسات على صعيد الجهاز الديبلوماسي الفلسطيني، وما يُسيء منها للنظام السياسي،  في ناظر جالياتنا وحكومات البلدان التي تُبتعث اليها عناصر يختلقها جهاز المخابرات العامة، أو يجري تعيينها عاجلاً من عمّان ومن وراء ديوان الموظفين!

لم يعد هناك لوزير الخارجية، د. رياض المالكي، ما يفعله سوى الحفاظ على مسماه الوظيفي والسفر والظهور في بعض رحلات الرئيس كواحد من الحاشية. فليس هو الذي بمقدوره تمحيص مخرجات تقارير الأداء، لكي يمارس صلاحياته ــ إن كان يستطيعها بشفافية ــ في المناقلات الديبلوماسية، لتعزيز قوة الجهاز الديبلوماسي. والرجل، لا شأن له باختيار السفراء وتنسيبهم الى الرئيس لكي يُصار الى تكليفهم بمراسيم. والرئيس لا ينتظر منه تنسيباً. ويعرف كل المتنافخين بالتصريحات، أن رئيس جهاز المخابرات هو الذي يقرر، وأن مُفتتح التعين يكون بالوشوشة القصيرة الى سيادته، وهذه كفيلة بأن تتحول في اليوم نفسه الى مرسوم على الورق. فالوشوشة هي حامية الشرعية، وحاملة الوصفات الصحيحة لتوسيع دائرة المولاة للسيد الرئيس، وهي الوسيلة الطاردة لبكتيريا المعارضين. هكذا يراها محمود عباس، من جانبه، أما رئيس المخابرات، فإن له مقاصد أخرى تطير وتحلق بأجنحة الوهم. فالرجل يركز على السفارات، لكي تتسع شبكة الموالين له شخصياً، فترد له الجميل، في ليلة صاخبة. وهؤلاء الموالون، لم يعودوا ينطقون اسمه وإنما يسمونه "الباشا" على الطريقة الأردنية، وهذه تسمية لم تسعف رؤساء جهاز المخابرات في أي بلد، لكنها تتمثل في زمنها، وضعية الهيبة والإيحاء بالقدرة على الحسم، لترهيب السفراء رؤساء البعثات، المعرضين لوشوشات تعزلهم في دقيقة واحدة، إن لم يكونوا من طائعي "الباشا" شأنهم في ذلك شأن وزير الخارجية نفسه. فهذا الأخير، يختصر تعليل كل تعيين خاطيء وعجيب، أو كل إقصاء خاطيء ومعيب، بأن ضغوطاً تُمارس عليه!

  لقد بات السفراء في كل لحظة، معرضين لاستقبال قادم جديد الى بعثاتهم، لا تحتاجه البعثات التي تزداد أكلافها على حساب قوت أطفال المقطوعة رواتبهم. وذلك يجري تحت عنوان الأمن الذي يركز حصراً على سلوك الفلسطينيين حيال اللحظة السياسية. ولا يملك المتنافخون في التصريحات، ممن أوصلتهم أوهامهم الى حد إطلاق أحلام الوراثة؛ النطق بحرف واحد، لحماية الجهاز الخارجي للعمل الديبلوماسي الفلسطيني.

في الأردن الشقيق، الذي يتبدى فيه الفساد موضوعاً يتداوله الأردنيون صُبح مساء؛ تحرص الدولة على حماية جهازها الديبلوماسي بتكريس القانون. وقد ينتظر السفير الجديد ستة أشهر أو أكثر، لكي يعتمده مجلس الوزراء، الذي يكون التنسيب اليه أولاً، للتأكد من خلو صحيفته لدى وزارات الخدمات وغيرها. وبعد اعتماد مجلس الوزراء للتنسيب، يُرفع الى الملك. وفي الولايات المتحدة، تَرفع وزارة الخارجية التنسيب مشفوعاً بأسبابه، الى مجلس الشيوخ لاعتماده بنسبة 75% على الأقل من أعضائة المئة. وحدث مرة، عندما طالب جهاز المخابرات المركزية الرئيس بوش الإبن، تعيين روبرت فورد سفيراً لدى سوريا، أن رفض مجلس الشيوخ اعتماد فورد، فاستغل بوش الإبن، ارسال السفير الذي اقترحته المخابرات فقرة في القانون تتيح للرئيس إرسال السفير في فترة إجازة مجلس الشيوخ، فأرسله وبات السفير أمام احتمالين، إما أن ينجح من أرسله، في إقناع مجلس الشيوخ، أو أن يسحب السفير الذي ارسله بعد أن يكون أدى العمل المناط به في ثلاثة أشهر. ذلك كله، لأن مؤسسة الخارجية، تؤدي عملاً نوعياً في حماية السياسة الأمريكية وفي رعاية الأمريكيين.

إن كان هذا هو دأب الدول الراسخة، فالأجدر بالدول الجالسة على كف عفريت، أن تأخذ به ولا تجعل الوشوشات قانوناً.

نحن هنا، لسنا معنيين بــ "الباشا" ولا بأي باشا، وإنما معنيون برصانة النظام السياسي، الذي بات فيه انسحاب نقابة المحامين، من لجنة اختيار معاوني وكلاء النيابة، احتجاجاً على إطاحة مبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة، وسلامة العمل الوطني العام، عملاً مفرحاً!