أبطال مواقع التواصل الاجتماعي

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

تململ على كنبته في «الكوفي شوب» 5 نجوم وكنت أظنه سينهض ليفعل شيئا لكنه أراح جلسته وواصل مواعظه: «شو فائدة الأيام اللي انقضت في الخان الأحمر، اتحررت القدس أوقفوا مشروع الاستيطان اللي بقولوا عنه E1، يا عمي عالفاضي يروحوا يشتغلوا احسن ويحسنوا الأداء احنا اتضررنا بطل في حد يوقع معاملات الكل في الخان الأحمر على حسابنا».
«الزلمة ما كفاه هذا العيار نط وزاد العيار ما هو اللي حوله بقولوا أمين أمين، بتعرفوا يا جماعة هم «طبعا بنعرف بدون ما تحلفنا يمين» انا بعيوني شفت الخارطة في مقر الضابط تبع الإدارة المدنية بتوضح ابعاد اللي بدو يصير وهيها بتصير، حكينالكم من زمان القصة مرسومة ما في فائدة».
كنت أظن وبعض الظن إثم ان أبطال العالم الافتراضي هم أناس مثلنا مقهورون من الوضع الذي يسبب نوعا من القلق على المستقبل ولكنهم لا يستطيعون ضبط انفلات مشاعرهم على العالم الافتراضي وبقيت أتعامل معهم بهذا المفهوم، على قاعدة انهم لا يضبطون مشاعرهم، أو انهم يمرون بحالة انطفاء وظيفي لأن الترقيات لم تشملهم، أو لأن ابن فلان بات سفيرا وابنهم لا زال قنصلا، أو لأنهم استقالوا من وظيفتهم وباتوا يكررون محاسن ما فعلوا فلا يجدون إلا أن يقدحوا كل ما وقع تحت ناظريهم في مدينتهم وبلديتهم، أو أن زميلتهم في مسيرة الحركة الطلابية تقدمت في المواقع فوصلت أعلاها وهم ظلوا يرددون على مواقع التواصل الاجتماعي: خطأ حياتنا أننا ادخلنا أناسا في حياتنا وفي مسيرتنا.
أبطال مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضيون الذين يشبعون الدنيا لطما ونواحا هم في الغالب ضحايا لحلم غير واقعي بمعنى حلم لا يتناسب مع إمكانياتهم، بالتالي الكل مذنب ومتورط لرأسه بالفساد والانحراف وهو الشريف الوحيد في هذه الأرض ان لم يكن آخر الشرفاء، وعندما تواجههم بحقيقة ما تعرف ينتقلون الى مربع الدفاع غير القوي عن الذات والذي يثبت انهم لم يتمكنوا من الحصول على ما حصل عليه غيرهم بالتالي يريدون ان يربكوا الرأي العام على قاعدة التمسح بالنزاهة والشفافية.
بعد انقضاء صلاة الجمعة، نتبادل أطراف الحديث ويكون محوره حال البلاد والعباد بروح إيجابية ما استطعنا لذلك سبيلا، المحزن ان البعض يقوي نفسه بما تابعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويصبح ملحا أن تتدخل لتعيد النقاش الى سكته، ودعونا نفكر بعقولنا بعيدا عن إشعال نار لسنا أهلا لإطفائها.
وانا على ثقة ان 99% من حياتنا قائمة على المعرفة والعلاقات الشخصية وتلك ميزة تنافسية «حارتنا ضيقة وبنعرف بعض» كل القضايا بالإمكان حلها بناء على القانون ولا يعقل أن نظل نعيش الشائعة والبلبلة وهذا لا يعني أن نغلق ونمنع مواقع التواصل الاجتماعي ولكن علينا الحذر مما يحاك لنا من أسماء وهمية وشخصيات مستعارة ننقاد خلفها دون وعي ويصبح المناضل ممثلا، والسمسار مناضلا، ويصبح جل همنا ان نلعن منتجاتنا الفلسطينية ونقدس الإسرائيلية، ويصبح الغزل في متاجر رامي ليفي في المستوطنات أمرا طبيعيا وتشويه سمعة تجارنا أمرا طبيعيا أيضا.
لذلك بات ملحا تفعيل القوانين وإنفاذها، وفاة شاب في مستشفى لا يبيح لكل من شاء ان يفتي بالخطأ الطبي والإهمال الطبي ولكن على الحكومة ان تفعل قانون المسؤولية الطبية وأن تحاسب وتساءل حتى يأمن الناس ولا يتم تشكيل لجان للتبرير بل يجب ان تكون لجان ذات أهلية وقدرة ولا تبث على موجة واحدة فقط.
أيضا بات مهما تفعيل وتطوير أدوات استخدام منصات التواصل الاجتماعي وهذا يحتاج الى تدريب، وخصوصا التدريب المؤسسي للمؤسسات التي تقدم نفسها عبر تلك المنصات لتقدم المعلومة والحقيقة بعناوين واضحة، ولا يجوز ان تتحول تلك الصفحات الى ألبوم صور للمسؤول الأول تارة ثابتة وتارة فيديو وبقية المؤسسة لا نعرف عنها شيئا.
وقد تحدثنا مرارا عن أهمية تحصين المجتمع حصانة منيعة تهيئه لعدم التعاطي مع الشائعات والإرباك المستمر للشعب والبلد.