من المؤكد أن لا سلام حقيقياً يمكن ان يتحقق بين الشعب الفلسطيني واليمين الإسرائيلي، لأن الوقائع التاريخية والدينية والغطرسة الصهيونية وتزوير التاريخ والممارسات الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية منذ العام ١٩٤٧م وما يرتكبه الاحتلال الى يومنا هذا تجعل الشعب الفلسطيني يقتنع باستحالة تحقيق السلام مع التيار السائد في اسرائيل وهو تيار اليمين المسيطر على اسرائيل منذ عقود.
صحيح القول ان مصر والأردن وقعتا على معاهدتي سلام مع اسرائيل ولكن هذا لم يقنع الشعوب العربية التي هي الأساس بوجود سلام حقيقي، كما حصل في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والسبب الحقيقي هناك هو العدل القائم بين هذه الشعوب الأوروبية مثلما حصل بين ألمانيا وفرنسا، فأين هو العدل بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني الذي ذاق الأمرين من اليمين المتطرف الصهيوني، وحتى من حزب "العمل" الذي رفع في حينه شعارات الاشتراكية؟!.
اذا نظرنا الى اليهود الذين يتحكمون في مفاصل دولة اسرائيل نجد أنهم ليسوا اليهود المنتمين الى العرق السامي، وهم الذين اتوا من أوروبا الشمالية التي تسمى بلاد الاشكناز، أما اليهود الساميين فهم يهود الشرق، والسبب بسيط جداً وهو أن سيدنا نوح من سكان الشرق الأوسط فمن الغبن والاستهتار بالتاريخ القول بأن يهود أوروبا من العرق السامي لأن سيدنا نوح لم يعش أبداً في شمال أوروبا وهذا لا يعني أن لا أصل لهم بل بالعكس، هم من الأعراق اليهودية الأوروبية ونحن كفلسطينيين وعرب استنكرنا وبشدة ما فعله بهم النازي من ظلم واضطهاد.
ولكن هذا لا يعني بأن من الواجب ان ندفع نحن ثمن هذا الظلم من قبل النازي، كما ان اليهودي الأوروبي يعيش بكل كرامة واحترام من قبل جميع حكومات أوروبا، تماما مثلما كان يعيش بيننا اليهود الشرقيون. وللعلم فان أغلبية يهود الشرق الذين ينتمون الى العرق السامي كانوا من التجار المرموقين في جميع البلاد وكذا اسهموا في مجالات أخرى. وللتذكير فقط فان اليهود الذين كانوا يعيشون في بلاد الأندلس هاجروا الى جنوب إسبانيا وعاشوا مع أهل المغرب العربي والجزائر وتونس ومصر، ومنهم من هاجر الى فلسطين وسوريا والعراق، كما أن لهم في اليمن جذور تاريخية من الصعب إنكارها.
وكان من أخطاء الدول العربية وأثناء ذروة الصراع العربي الاسرائيلي بأنها لم تهتم بحماية اليهود الذين كانوا يقيمون فيها، والسبب أن الشعوب العربية لم تفرق بين اليهود الأوروبيين الاشنكاز الذين نكلوا بالشعب الفلسطيني ومارسوا أبشع المجازر في القرى والمدن الفلسطينية، وبين يهود الشرق، وهذه المجازر محفوظة وموثقة في جميع المكتبات العربية والأوروبية.
ولكن الفرق كبير خصوصاً أن يهود أوروبا يمكن عودتهم الى بلادهم الأصلية، وقد عاد الكثيرون منهم لأنهم وجدوا بأن حكام اسرائيل ليس لديهم أي نوع من الديمقراطية، والتي يتبجح بها اليمين الاسرائيلي والذي يمارس أبشع أنواع العنصرية، والاستهتار بحياة الفلسطينيين الذين عاشوا بسلام مع جميع مكونات الشعوب التي كانت تعيش في فلسطين، وحتى الشعوب التي هاجرت من بلاد الشرق والغرب ولا فرق بين مسيحي أو مسلم أو يهودي. اما الشعب الفلسطيني الذي تم تهجيره قسراً خوفاً من بطش العصابات الصهيونية فلا تسمح له دولة الاحتلال بالعودة الى دياره أو املاكه التي سرقها هذا الاحتلال.
وفي آخر خطاب له أطل علينا نتنياهو ليقول أن "هذه الارض كانت لنا منذ أربعة آلاف عام". وهذه ليست الحقيقة. لأن التاريخ يقول عكس ذلك حيث ان الكنعانيين هم أول من سكن فلسطين. وأكبر دليل على ذلك أنه بعد وفاة سيدنا موسى عليه السلام في الأردن استلم قيادة اليهود الشرقيين النبي يشوع بن نون "الذي طلب من الرب في ١١١٨ قبل الميلاد ان يعبر النهر وقال له حسب التوراة وفي سفر يشوع بن نون وكانت أريحا مغلقة في وجه بني اسرائيل ولم يكن أحد يخرج منها أو يدخلها، فقال الرب ليشوع: "انظر، الي قد دفعت اريحا وملكها الى يدك مع جبابرة البأس، تطوفون حول المدينة جميع رجال الحرب كل يوم مرة واحدة، هكذا تفعلون ستة أيام. ويحمل سبعة كهنة أبواق الهتاف امام التابوت. وفي اليوم تطوفون حول المدينة سبع مرات وينفخ الكهنة الأبواق. ويكون اذا امتد صوت قرن الهتاف اذا سمعتم صوت البوق ان جميع الشعب يهتفون هتافاً شديداً فيسقط سور المدينة في موضعه فيصعد الشعب كل واحد على وجهه...واقتلوا جميع من في المدينة من رجل أو امرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف".
وهذه الحادثة تعتمد في المدارس والجامعات الاسرائيلية وللتأكيد على هذا فإن بروفيسوراً اسرائيلياً اجرى استفتاء حول تأثّر الطلاب بهذه الحادثة في جامعة بارايلان، وسأل البروفيسور الطلاب: "لنفترض ان الجيش الاسرائيلي احتل قرية عربية خلال الحرب فهل يفترض به- نعم أم لا-، جعل مصيرها مماثلاً لما حصل للمصير الذي جعله يشوع لسكان اريحا؟" وكان الجواب مذهلاً لأن من ٦٦ بالمائة الى ٩٥ بالمائة قالوا "نعم".
ان المشكلة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني صاحب الأرض منذ آلاف السنين هي أن يهود أوروبا لا يعترفون بالشعب الفلسطيني ويعتبروننا عالة على الشعب اليهودي الاشكنازي، لذلك يمارسون أبشع أنواع العنصرية من القتل المتعمد من قبل الجيش الاشكنازي الذي اصبح من أهم هواياته قتل الأطفال والنساء والشباب لأتفه الأسباب، وكما نرى اليوم فقد استشهد ١٩٠ طفلاً وشاباً وامرأة وحتى مقعدين منذ بداية مسيرات العودة وجرح الآلاف، وبين الضحايا صحفيين وحتى مسعفين كما ان هناك الإجرام المتعمد من هدم البيوت وترك العائلات والاطفال والنساء في العراء. والأنكى فهم يطلبون من المواطنين الفلسطينيين هدم منازلهم بأيديهم بحجة عدم الحصول على تصاريح بناء، وهي التصاريح التي تمنعها سلطات الاحتلال، واذا ما وافقت في حالات استثنائية على منح تراخيص بناء، فإن الترخيص يكون باهظ الثمن وقد يصل الى مئة ألف دولار.
كما ان قطعان المستعمرين الجدد يمارسون هواية الاعتداء اليومي على مقدسات المسلمين والمسيحيين بدون أخذ أي اعتبار لمشاعر الفلسطينيين، ويصر هؤلاء المستعمرين على ان يكون الخلاف بيننا وبينهم دينياً وليس سياسياً، كما أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تدعم بناء الجدار غير القانوني حسب قرار محكمة لاهاي، وكأن قانون الغاب هو الذي يمارس ضدنا.
ان أفعال الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ العام ١٩٤٨ سواء كانت «عمالية» أو ليكودية منذ حكومة بن غوريون الى يومنا هذا برئاسة نتنياهو يسيطر عليها يهود أوروبا، حيث ان اليهود الشرقيين يعتبرون من الصف الثاني.
وفي هذا الجو المحموم المشبع بالحقد الأعمى تجاه كل من هو غير أوروبي الأصل، وصل بهذه الديمقراطية ان تعطي نفسها الحق بالتمييز العنصري علناً عبر قانون "القومية اليهودية" أي ان جميع من يقيمون في اسرائيل ليس لهم أي حقوق كما لليهود، أي أنه تمييز عنصري بامتياز.
الشعب الفلسطيني صاحب الأرض لم يترك أي فرصة للعيش بمحبة وسلام حقيقي وعادل، وحتى اذا تم السلام بحدود دولتين فإن ما تفعله اسرائيل اليوم بالشعب الفلسطيني لا يمكن أن يسمح بأن نعيش كشعبين جارين بمحبة حقيقية لأن اسرائيل لم تترك أي مجال انساني أو سياسي الاّ وانتهكته بفظاظة ضد شعبنا.
لقد قبلنا بدولة اسرائيلية مساحتها ٨٧ بالمائة من أرض فلسطين التاريخية، وقبلنا فقط بـ ٢٢ بالمائة من أرض فلسطين التاريخية لأجل السلام المنشود، ولكن هذا السخاء تقابله اسرائيل بتكريس الاحتلال واطماع التوسع وتزيد من عذابات الفلسطينيين يومياً.
ولا يمكن لشعبنا ان يقبل بهذا الحكم الجائر وسيبقى شعبنا متجذراً بهذه الأرض مهما استعمل المستعمر من التمييز والجرائم مثلما حصل في العام ١٩٤٨م أو ١٩٦٧م، ومثلما يحدث اليوم.
لن يركن شعبنا الى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن رغم اهميتها الاّ انها لم تنفذ حتى اليوم بسبب الانحياز الاميركي الفاضح للاحتلال ولذلك ليس لنا الا الاعتماد على أنفسنا، وهذا من الصعب تحقيقه ما دام الانفصال جائماً على صدور الشعب الفلسطيني الصابر والصامد أمام ممارسات المحتل وعلى اصرار زعمائنا الأفاضل على تكريس الانقسام .
لذلك نقول مجدداً حان الوقت لإنهاء هذا الانقسام المخزي والمأساوي.