أمة الأيديولوجيا في زمن التكنولوجيا ..!

أكرم عطاالله.jpg
حجم الخط

في رسالة من أربعة أسطر تلقيتها عبر «الواتس أب» كان قد أرسلها صديق تقول «نهاية الأسبوع الماضي قرأت هناك الكثير من طاقة الرياح بألمانيا، حيث بلغ انتاج الرياح أكثر من 39 ألف ميجاوات تقارب طاقة 40 مفاعلاً نووياً، فاضطرت الحكومة الألمانية أن تعطي المواطنين كهرباء مجاناً لكي يستهلكوا طاقة أكثر، وبذلك يخف الضغط على المحولات الكهربائية، وبعد الخبر يأتي التساؤل على لسان مواطن عربي يروي الخبر قائلاً «ما علينا منهم خلينا بموضوعنا، انت سني أم شيعي؟».
قصة مولدات الطاقة في الغرب وسؤال المذهبية بينهما ما يكفي من السنوات التي تجسد فارقاً حضارياً بين أمم أقلعت وبين أمة ما زالت أسيرة صراعات حكم وسلطة نشأت منذ سنوات، وتحولت الى عقائد ومذاهب حكم عليها أن تبقى كسيرة وأسيرة خيالات أقنعت نفسها بأنها جزء من هويتها وثقافتها وقيمها ومبادئها لتحول كل تلك الى وصفة لحروب لا تنتهي وسيوف لا تعرف غمدها وهي تقطر دماً.
يتقطع قلب أي كاتب عربي لهذا الفارق بين أمم تزنرت بالعلم لتصنع أمجادها وطعامها وسلاحها وسلامها، وأمم ما زالت أسيرة صراعات ماضوية كلما خبت يعاد شحنها من جديد على شكل كتب ومؤلفات ولحى ومجموعات وجماعات تقاتل لاستعادة الماضي. ولا تعرف أن التاريخ يسير باتجاه واحد وأن كل ما تفعله ليس أكثر من قطع الطريق على المستقبل دون العودة، فلا الماضي يعود ولا المستقبل يفتح لها أذرعته.
نحن أمة الايديولوجيا في زمن التكنولوجيا، غريبون عن هذا العالم الذي تحركه شاشات عملاقة وأرقام ومعلومات وأجهزة بث وأقمار صناعية وكمبيوترات، ونحن نتحرك بنزعات سمتها الرئيسية الصراعات والخلافات الأيديولوجية. وحين تغيب تلك تتصارع الايديولوجيا الواحدة على تفسير كتبها ولوغاريتماتها، وحين تختلف لا تجد سوى السلاح وسيلة للتفاهم، ولنحصِ كم من الحركات السنية تقاتلت على أرض سورية خلال السنوات الماضية وولغت في دم أخوتها.
كم كان مدهشاً لنا نحن ورثة العقل العربي أن يصعد رئيس أسود وابن لرجل مسلم جاء أميركا قاصداً العلم لأن يكون رئيساً لأكبر دولة في العالم، فيما العربي يعيش عقوداً في الدول العربية، وبالكاد يحصل على اقامة مهدداً في أية لحظة بالترحيل لمجرد اختلاف زعيمين عربيين على تفسير نكتة أو نكبة حلت بهذه الأمة ولم تتركها الا لتستنسخ ذاتها الى تراجيديا. فالعربي لا يحصل على جنسية دولة عربية، وفقط المحظوظون هم الفنانون والفنانات اللواتي يتم تكريمهن وتشريفهن في صدر القصر أو قصر الصدر الذي يتسع لراقصة لكنه يطارد كاتباً حتى خارج الأوطان.
نحن فشلنا في بناء الدولة المدنية ودولة المواطنة أو دولة القانون، دولنا العربية ليست اكثر من حالة يتربص فيها الأمن ليل نهار بمواطن فشلت الدولة في خلق نموذج أو ايجاد جودة حياة تليق به كبشر من حقه أن يعيش. ولسوء حظه تلعب وسائل الاعلام والتكنولوجيا يومياً والتي جعلت العالم قريةً صغيرة دوراً في زيادة جرعات الاحباط وهو يقرأ ويرى ويتابع ويراقب مثيله في دول وضعت صراعاتها جانباً وشمرت سواعدها لبناء أوطان تليق بأبنائها وبمواطنيها ومواطنين يأتون اليها هاربين من جحيم الحكم العربي والقمع العربي والتخلف العربي.
ليس اعجاباً بالغرب كما يتهمنا معادو التقدم وعشاق التخلف والسكن في الماضي بقدر ما هو اعجاب بدول تسخر كل امكانياتها ليعيش فيها المواطن حراً كريماً عزيزاً أبياً بلا خوف من البوليس أو حرس الحاكم أو الأمن الذي نذر نفسه لمجموعات العجزة من الحكام والديكتاتوريات والسادة الذين يتربعون على أكوام الخراب.
إن التعامل الفوقي الأميركي مع العرب يدل على الوزن الحقيقي لأمة تجلس على رصيف التاريخ، وأن الاستخفاف الاسرائيلي يعكس من نحن وماذا نحن؟ انهم وغيرهم يتعاملون معنا كشعوب ودول فقدت احترامها، بعضها يعيش على التسول وبعضها ينثر أموالاً بلا حساب وبلا حسيب وبلا رقيب، كما الأموال التي تتساقط تحت أقدام الراقصات. ولننظر لصورة العربي في الأفلام الغربية لنعرف ماذا نحن بنظرهم، ربما هي مرآة نحن بحاجة لأن نراها دون أن نخدع أنفسنا ليس سوى لأننا قررنا أن نكون هذا العربي الموزع بين مستويين، اما الفاسد أو الخائف والهارب الى حيث حرية الكلمة أو حرية لقمة العيش في بلاد يحكمها نجاشيون في الغرب ثم نشتم الغرب.
ما هو مستقبل هذه الأمة؟ إن أمة من ثلث مليار لم تصنع توازناً مع سبعة ملايين إسرائيلي لا حاضر ولا مستقبل لها، ليس موازين القوة المسلحة فحسب وإن كانت صدور جنرالاتها مرصعة بأوسمة الهزائم، لكن موازين العلم والاختراعات ومستوى الحريات والديمقراطية والصندوق وفوق كل ذلك القانون والمساواة ودول المواطنة التي يتساوى فيها كل الناس دون تمييز، إن أمة تأكل مما لا تزرع ولا تنتج هي أمة بلا مستقبل، وإن أمة لا تقاتل بسلاحها هي أمة بلا حاضر ولا مستقبل أيضاً، وأخيراً فان أمة تعيش صراع الايديولوجيا في عصر التكنولوجيا هي أمة حكمت لنفسها أن تتنازل عن مقعدها في قاطرة المستقبل وتبقى في محطة البداية أو المحطات البدائية.
ان ما حدث للأمة العربية التي التهمت ذاتها وحطمت عواصمها في سنوات ما عرف بالربيع العربي تفاءل به كثيرون كمحطة اجبارية لعبور النفق نحو الحداثة بعد أن يحدث رجة الإفاقة للجسد الميت، باعتبار أن أوروبا لم تعبر المستقبل الا على بحر من الدم والخراب، متناسين أن صراعات أوروبا كانت بين العلم والأيديولوجيا لتنتهي بانتصار العلم، لكن صراعاتنا كانت بعيداً عن العقل والعلم الذي سجل هزيمته الساحقة مبكراً في هذه المنطقة بلا رجعة ليستمر في إنتاج كل هذا العنف الذي يحيط بنا من كل الاتجاهات.
واذا لم تهزنا كل هذه الحقائق وأنهار الدم وأكوام الجثث التي تناثرت في البحر واليابسة، فكيف يمكن أن نفهم أننا سنستمر في ذيل الاسم دون منافس، وسنبقى لا نجيد سوى مهنة اختراع الخصوم ونحمل الغرب المسؤولية ونلعنه لكن نحلم بالتعليم فيه والعلاج لديه والهجرة اليه ....هذا في أوطان لم يتوقف فيها النزيف البشري هروباً من جحيم أصبحته أوطان تأكل نفسها دون توقف ...!!!!