كشف اللواء احتياط عاموس يدلين رئيس معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، عن صيغة عمل سياسي أمني في المسألة الفلسطينية، تهدف إلى تحسين الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، ومنع التدهور في المنزلق نحو واقع الدولة الواحدة.
وأفاد يدلين أن أساس هذه الصيغة هو تصميم واقع محسن، يسمح بفتح خيارات في المستقبل لإنهاء السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة، وضمان أغلبية يهودية متماسكة في إسرائيل.
بكلمات أخرى: هدف الصيغة هو تهيئة الظروف لواقع من دولتين لغرض الحفاظ على إسرائيل ديمقراطية، يهودية، وآمنة.
في إطار الخطة الاستراتيجية، التي تمت في أعقاب بحث طويل وعلى أساس المفاهيم التي نشأت عنها، تم فحص ودراسة البدائل الأساسية التي تطرح في الخطاب الجماهيري والمهني، وتبين أن البديل الأكثر استقراراً، الذي يسمح لإسرائيل بمواجهة تحديات المستقبل بالشكل الأفضل، ويحافظ على طابعها ومصالحها الأساسية والأمنية، هو البديل الذي يدفع إلى الأمام بانفصال سياسي وإقليمي عن الفلسطينيين تمهيداً لواقع دولتين للشعبين.
في ضوء الموانع التي تقف اليوم أمام إسرائيل لتحقيق تسوية كاملة مع الفلسطينيين، تبلورت صيغة تتضمن خطوات تتطابق مع مصالح إسرائيل، وتسمح بجملة خيارات في المستقبل – حتى في غياب شريك فلسطيني لتسوية دائمة – من أجل التقدم إلى وضع الانفصال السياسي، الإقليمي، والديموغرافي عن الفلسطينيين، وخلق استقرار استراتيجي على المدى الطويل. من هناك تتمكن إسرائيل من السير – وفقاً لما تراه، وبشكل متدرج وحذر، في الطريق إلى مزيد من البدائل السياسية.
تقوم الصيغة المقترحة على التطلع للوصول على أساسها إلى توافقات داخلية في الجمهور الإسرائيلي، وتفاهمات مع المجتمع الدولي، والدول العربية البراغماتية، ومع الفلسطينيين أنفسهم، وهي تعكس تصميم إسرائيل على أن تصمم مستقبلها بذاتها.
لا تقترح الصيغة حلاً سياسياً نهائياً، بل طريقاً لخلق واقع استراتيجي محسن لإسرائيل، يسمح لها بالحفاظ على أقصى الإمكانيات في يديها.
المبادئ المركزية للصيغة السياسية – الأمنية
الميزة المركزية للصيغة المقترحة هنا هي المبدأ النموذجي الذي يخلق مرونة كبيرة: فهو يسمح لإسرائيل بأن تختار كل الوقت بين طرق عمل بديلة وفقاً للظروف المتغيرة في محيطها الاستراتيجي. وها هي مبادئها:
1-تعزيز عناصر الأمن في ظل تقليل الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، والحفاظ على حرية العمل العملياتية في كل مناطق الضفة الغربية، من خط الأردن غرباً، والتنسيق مع أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية؛ فكلما كان أكثر يقلل الجيش الإسرائيلي نشاطه العملياتي في الأراضي الفلسطينية.
2-تثبيت المصالح السياسية، الأمنية، والإقليمية لإسرائيل في الضفة الغربية، قبيل التسويات المستقبلية، وكذا تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي في غياب التقدم السياسي، عبر إيضاح نواياها للتقدم نحو انفصال سياسي وإقليمي عن الفلسطينيين وخلق الظروف لواقع الدولتين.
3-تعزيز شرعية ومكانة إسرائيل الدولية والإقليمية من خلال التعاون الإقليمي – الأمني، السياسي والاقتصادي وفي البنى التحتية.
4-تعزيز البنية التحتية، قدرة الحكم والاقتصاد الفلسطيني، لهذا الغرض تجرى أعمال تدريجية – بمساعدة دولية – لتحسين أداء السلطة الفلسطينية وتوسيع صلاحياتها. وضمن أمور أخرى تخصص أراض للتنمية الاقتصادية والبنى التحتية وبناء قاعدة لدولة فلسطينية قابلة للعيش في المستقبل تؤدي مهامها ومستقلة.
5-تبني سياسة بناء تفاوتي في الضفة الغربية، يستمر البناء في الكتل الاستيطانية، التي يوجد إجماع على بقائها في نطاق إسرائيل، وبالمقابل يجمد البناء في المستوطنات المنعزلة التي توجد في أعماق الأراضي، ويلغى الدعم الحكومي عن توسعها والاستيطان فيها. مسألة إخلاء المستوطنات لا تطرح إلا في سياق تسوية دائمة مع الفلسطينيين.
خطوات الصيغة
تعلن إسرائيل التزامها المبدئي بحل الدولتين وتكون مستعدة في كل وقت للدخول في مفاوضات مباشرة على اتفاق شامل. بالتوازي تبدأ إسرائيل بتطبيق مبادئ الصيغة على الأرض كي تدفع إلى الأمام الانفصال عن السلطة الفلسطينية وتنهي سيطرتها على أغلبية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية،
من أجل تحقيق تأييد دولي للصيغة – بما في ذلك التأييد العربي – لا يمكن لإسرائيل أن تكتفي بالإعراب عن الاستعداد لإجراء مفاوضات، بل ستكون مطالبة بأن تعرض مبادئ للتسوية. إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود أو فشلت، سيكون بوسع إسرائيل أن تواصل تحقيق الصيغة وتصميم واقع سياسي، أمني، وإقليمي مستقر ومحسن بالنسبة لها على مدى الزمن.
تعمل إسرائيل على استكمال الجدار الأمني، الذي سيرسم أيضاً مسار الانفصال والمصالح الإقليمية لإسرائيل في المستقبل، وتعلن عن تجميد البناء في المستوطنات المنعزلة التي توجد في أعماق الأراضي الفلسطينية شرقي الجدار. إضافة إلى ذلك تثبت إسرائيل أنه حتى 20 في المئة من أراضي الضفة الغربية، هي منطقة مصلحة أمنية (معظمها في غور الأردن، بما في ذلك مواقع ومحاور إستراتيجية)، ستبقى تحت سيطرة إسرائيلية إلى أن يتحقق توافق على تسوية أمنية مرضية لإسرائيل، ويقوم كيان فلسطيني مسؤول وقادر على أداء مهامه.
لإسرائيل مصلحة في وجود سلطة فلسطينية تؤدي مهامها، مستقرة ومتعاونة في التقدم في أفق سياسي نحو حل. ولهذا فستتخذ إسرائيل الخطوات التالية كي تعزز السلطة الفلسطينية:
1-تنقل إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية صلاحيات أمنية في المنطقة (ب)، تشبه تلك التي في يدها اليوم في المنطقة (أ)، بحيث ينشأ مجال فلسطيني موحد (أ وب) يكون البنية التحتية للدولة الفلسطينية المستقبلية، بل ربما يصبح دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. تقع هذه المنطقة على قرابة 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ويسكن فيها أكثر من 98 في المئة من السكان الفلسطينيين.
2-إسرائيل تخصص حتى 25 في المئة من أراضي الضفة الغربية، من داخل المنطقة (ج) لتنمية بنى تحتية ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، ونقل أراض مأهولة بالفلسطينيين تتجاوز حدود المنطقة (ب) إلى المنطقة (ج) للسيطرة الفلسطينية. يكرس وجود متداخل مع الأسرة الدولية لإقامة مشاريع صناعية وطاقة خضراء، مشاريع سياحة وتكنولوجيا عليا، بناء للسكن وما شابه. في المرحلة الأولى لا تنقل إسرائيل صلاحيات أمنية وتخطيطية للفلسطينيين في مناطق التنمية هذه، ولكن هذه تكون "على الرف" وتنقل بالتدريج إلى السلطة الفلسطينية.
3-في المجال الفلسطيني يكون هناك تواصل إقليمي، وتقام شبكة مواصلات متواصلة من شمال الضفة وحتى جنوبها، بحيث يقل الاحتكاك اليومي بين الجيش الإسرائيلي، المستوطنين، اليهود والسكان الفلسطينيين، وترفع الموانع عن التنمية الاقتصادية الفلسطينية.
4-تطلق خطة اقتصادية هدفها في المدى القصير تحسين مستوى المعيشة للفلسطينيين، وغايتها للمدى البعيد تشجيع استقلال اقتصادي فلسطيني يسمح بانفصال اقتصادي عن إسرائيل. لأجل تحقيق هذا الهدف يوصى بإقامة جهاز دولي متخصص.
هذه الخطوات ستسمح ببناء بنية تحتية لكيان فلسطيني مستقل على قسم مهم من الضفة الغربية (حتى 65 في المئة من الأراضي). في المرحلة ذاتها تواصل إسرائيل السيطرة على باقي الأراضي، من ضمنها نحو 10 في المئة ستعرف ككتل استيطانية حيوية لإسرائيل في كل تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.
تسعى إسرائيل إلى اعتراف دولي بخطواتها وتطلب مقابلاً دولياً، المركزي فيه هو تعهد بتأييد الصيغة حتى في حالة فشل في مسار المفاوضات الثنائية. إضافة إلى ذلك، على إسرائيل أن تطلب استئناف الالتزامات الأميركية مثلما صيغت في كتاب بوش لشارون (2004)، إقامة جهاز دولي متخصص للتنمية الاقتصادية الفلسطينية، لضمان نجاحها ومنع الفساد، التزام من السلطة الفلسطينية بمنع "الإرهاب" والعنف؛ والاعتراف بالترتيبات الأمنية المطلوبة لإسرائيل.
إن حل مشكلة غزة ليس جزءاً من الصيغة السياسية وليس شرطاً لتقدمها. في كل سبيل، توجد أهمية لبذل جهد دولي لتحسين الوضع الإنساني في القطاع وإعمار بناه التحتية مقابل إقامة جهاز دولي يعمل على وقف تعاظم القوة العسكرية لحماس. ويجب التقدم في هذا الموضوع بالتوازي مع تطبيق الصيغة في الضفة الغربية، وعلى نحو منقطع عنه أيضاً.
إن الواقع الذي سيتشكل في المنطقة سيخلق في إسرائيل بنية تحتية سياسية، حزبية ودولية، أكثر راحة نحو التقدم مستقبلاً في مسارات أخرى وفقاً لاعتباراتها الأمنية والسياسية: إقامة تسويات انتقالية مع الفلسطينيين تبعاً لقاعدة "كل شيء يتفق عليه يطبق" وترك فكرة "إما كل شيء أو لا شيء"، إقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة وتغيير طبيعة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من صراع للتحرر الوطني إلى صراع بين دولتين وإدارة مفاوضات مباشرة لتحقيق التسوية السياسية للدولتين، وفي حالة غياب التعاون الفلسطيني المطلق – التقدم في خطوات الانفصال المستقلة وفقاً لمصالح إسرائيل.
بحث معمق ومستمر لجملة الإمكانيات التي تقف أمامها إسرائيل يؤدي إلى الاستنتاج بأن الصيغة المقترحة هي الممكنة اليوم، تحافظ على المصالح الإسرائيلية – الأمنية والاستيطانية – وتسمح بتجنيد تأييد دولي وإقليمي؛ لا تتضمن إخلاء مستوطنات في المستقبل القريب وتسمح بمجال مرونة سياسية لإسرائيل. وعلى الأقل، فإن الصيغة المقترحة تحسن جداً الواقع الحالي: تصد الميول الخطيرة لإسرائيل، والتي تسمى بالخطأ "الوضع الراهن"، وعملياً هي منحدر يؤدي إلى مخاطر قومية ذات مغزى وبالأساس إلى واقع دولة واحدة دون قدرة على الانفصال عن الفلسطينيين.