الهدم في بيت إيل يخلّف صدعاً واسعاً في جدار اليمين الإسرائيلي

بيت إيل
حجم الخط

انقضّت الجرافات الأربع، التي أحضرتها الإدارة المدنية، على المباني مثل الديناصورات في متنزه هيورا: ضخمة، جائعة، ومخيفة. على أطراف رافعاتها وضعت قطع ثقيلة من الحديد تسمى «مطارق التكسير». 
هذه المطارق تنزل بثقلها على الإسمنت وتفتته إلى أجزاء، ضربة تلو الضربة وبعد ذلك تأتي الضجة المتواصلة المتدحرجة وبعدها الغبار. 
كل ضربة للمطرقة ترفعها إلى أعلى البيتين باتجاه الشرق، حيث احتشد المئات للاحتجاج، ووقفت الشرطة بينهم وبين الجرافات.
كل من شاهد فيلما هوليووديا ذات مرة يعرف أن هدم البيت هو عرض مسلّ، الجدران التي كان يفترض أن تقف إلى الأبد، تنهار مرة واحدة. مبنى وقف شامخاً يتحول كومة مُغبرة من قطع البناء، القوة مخيفة؛ والخراب مفزع.
لكن الأشخاص من بيت إيل لم يأتوا لمشاهدة فيلم، بل جاؤوا لكي يصرخوا. بين الفينة والأخرى ينقضون على الشرطة ويتحرشون كلاميا، ويرشقون الحجارة والكراسي البلاستيكية والزجاجات، ويحاولون اقتحام صف رجال الشرطة بالقوة. 
يسكن في بيت إيل 8 آلاف نسمة، لكن 500 منهم فقط نزلوا إلى هناك. أين عشرات الآلاف الذين يسكنون في المستوطنات القريبة؟ أين أبناء المعاهد وبنات المدارس، جيش «يشع»؟ أين قوافل الحافلات؟ لم يكن هناك عمل للجنود الذين وضعوا الحواجز على الطرق التي تؤدي إلى بيت إيل.
في شباط 2006 أخلت الحكومة بالقوة بيوت بنيت على أراض خاصة في عمونا بالقرب من عوفرا. 
العنف هناك كان شديدا، حيث صب الشباب غضبهم المتراكم منذ الانفصال على الجنود، وقبل ذلك بنصف عام سيطروا على الأسطح كآخر مواقع السيطرة في الحرب على البلاد، وكأنها متسادا.
الجرح المفتوح تحول إلى ندبة، إلى ذاكرة بعيدة؛ تغيرت الحكومة: ليست حكومة أولمرت المكروهة بل حكومتنا، حكومة المعسكر القومي. 
إن بيت إيل مستوطنة أيديولوجية، عاصمة اليمين الحريدي القومي، ففي الانتخابات الأخيرة للكنيست بلغت الأصوات الصالحة في بيت إيل 2726، صوت 1604 منها لـ «البيت اليهودي»؛ 724 صوتت لإيلي يشاي وباروخ مارزيل؛ 308 لـ «الليكود»، وقد أقنعهم نتنياهو بأن التصويت لـ «الليكود» فقط هو الذي سينقذهم من حكم اليسار.
أثناء المفاوضات الائتلافية تم التوصل إلى اتفاق سري، لا يعرفون عنه في بيت إيل وفي أماكن أخرى. 
لن تجدوا هذا التفاهم في صفحات الاتفاق الائتلافي، ولن تجدوه مكتوبا. نتنياهو قال لوزراء «البيت اليهودي» إنه لن يبني في «يهودا» و»السامرة» حتى الأعياد. 
عمليا قرر تجميد البناء نصف سنة، وبرر ذلك بالاعتبارات السياسية – مقاومة الاتفاق مع إيران والنضال الفلسطيني في الأمم المتحدة. 
وقد كانت الأعياد رمزا سريا: المقصود أيلول – تشرين الأول، بعد قرار الكونغرس، وبعد اجتماع الأمم المتحدة. قال رجال «البيت اليهودي»: إنهم سيحاولون إقناعه، لكنهم استسلموا للأمر، وعندما احتج رؤساء المجالس الإقليمية في الضفة على التجميد وقف أعضاء «البيت اليهودي» صامتين؛ وصمت أيضا وزراء الجناح الاستيطاني في «الليكود».
كانت في السابق تجميدات للبناء لكنها لم تمر بهذا الهدوء، الأحداث في بيت إيل دفعت نتنياهو، هذا الأسبوع، إلى تغيير الاتجاه: الخشية من الضجة الداخلية في الائتلاف و»الليكود» تغلبت على الخوف من الضرر السياسي. 
الوحدات السكنية الـ 300 التي وعدت بها بيت إيل وتم تجميدها بسبب الأميركيين، ستُبنى، في المعركة على مخاوف نتنياهو فقد انتصر لوبي المستوطنين على أوباما وعلى إيران، ومثلما عشية الانتخابات عاد نتنياهو إلى المعسكر.
استدعى نتنياهو، الأربعاء الماضي، في حالة من الفزع وزير الدفاع وسكرتير الحكومة والمحامي مولخو، مبعوثه السياسي، من اجل التشاور، اضافة الى ياريف لفين وزئيف الكين، وزيرين من «الليكود» يعتبران جزءا من لوبي المستوطنين. 
لم تكن هذه الدعوة صدفية: أراد نتنياهو أن يقول لليمين إنه معهم، مع الكين ولفين، وضد يعلون.
وتم استدعاء لفين رغم نشره بيانا اتهم فيه قضاة محكمة العدل العليا بـ «الخزي والعار الأخلاقي».
إن هدم البيوت أوجد تصدعاً في اليمين وليس شرخا، وما حدث في بيت إيل بقي فيها، لكن الدراما هي الدراما – مليئة بصرخات الانكسار والاحتكاك الجسدي والحرارة والغبار والأكاذيب والألاعيب السياسية. بيت ايل هي قصة.
ليسوا يساريين
يونتان دراينوف مقاول بناء، يبني ويرمم البيوت في المستوطنات، وعندما توجه في العام 2010 لبناء ثلاث وحدات سكنية في الطرف الشرقي من بيت إيل، كان أول من اعترض على ذلك هم سكان الفيلات بالقرب من تلك البيوت، حيث زعموا أن البيوت الجديدة ستطمس المنظر الطبيعي. «الأصدقاء من بيت إيل أصبحوا برجوازيين ومدللين»، قال رئيس المجلس الحالي، شاي ألون، وأضاف: «المنظر الطبيعي ليس مميزا إلى هذا الحد».
يبدأ المنظر الطبيعي بجدار تم وضعه من اجل عدم سماع ضجيج الفلسطينيين، وهو يُصعب من رشق الحجارة، والآن هو يمنح الظل للجنود والتعزيزات المتواجدة هناك. 
وفي السياق يظهر شارع 60 التاريخي الذي يربط رام الله مع نابلس ومن ورائه مخيم اللاجئين الجلزون، حيث طُرد عدد من سكانه في العام 1967 من قرى في منطقة اللطرون، وقد طردوا لأن موشيه ديان اعتقد أننا سنعيد فورا كل «المناطق» باستثناء اللطرون. 
نحن لم نُعد «المناطق» ولا السكان، وقد أقمنا على انقاض بيوتهم متنزها جميلا وواسعا هو متنزه كندا. 
بضغط من سكان الفيلات في بيت إيل تقلصت البيوت: بدلا من 64 وحدة سكنية يوجد فقط 44. وقد بنى دراينوف الأساسات، وحينها تبين أن جميع البيوت أو بعضها توجد على ارض بملكية خاصة لعبد الرحمن قاسم (77 عاما)، فلسطيني من دورا القرع، قرية صغيرة بجانب رام الله، هو صاحب الأرض الشرعي.
هذه القصة تبدو قصة صغيرة، مشكلة قانونية: مقاول يبني على ارض بملكية شخص آخر؛ المالك يطلب مساعدة المحكمة؛ ويتم هدم المبنى.
لكن فيما يتعلق بالمستوطنات لا يكفي الخلاف، وتوجه الفلسطينيين للمحكمة العليا بوساطة «يوجد حكم»، وهي جمعية لحقوق الإنسان. 
حصلت الدولة على أوامر الهدم لكنها تملصت من تنفيذها، ومنذ خمس سنوات وهي تناقش وتكذب وتُدير الظهر لدرجة ضاق القضاة بها. 
إنهم ليسوا يساريين وليسوا غرونس وناؤور اللذين ترأسا طاقم القضاة الذي ناقش دعوى دراينوف، السياسيون يعرفون الحقيقة لكنهم يفضلون الكذب على ناخبيهم.
وفي كل ما يتعلق بـ «المناطق» فإن محكمة العدل العليا هي الدعامة الثابتة لليمين، هكذا كان في عهد شمغار وبراك، وأيضا في عهد ناؤور الذي بدون استقلاليته كان من المشكوك فيه أن تستمر اسرائيل في سياسة الاستيطان دون أن تتعرض لمشكلات قانونية وعقوبات دولية. 
محكمة العدل العليا هي الختم وورقة التين، إن هدم مباني دراينوف سيمهد للبيوت الجديدة في بيت إيل والون موريه وعوفرا وشيلا وعيلي وكرنيه شومرون وعشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية والتي ستمر باجراءات التبييض. 
وزيرة العدل، اييلت شكيد، التي تهدد بإنشاء محكمة تتجاوز محكمة العدل العليا، وهي تُقدم الهامشي على الأساسي، وهي بدلا من أن تلتقي مع الفلسطينيين في محكمة العدل العليا ستلتقي معهم في لاهاي.
الإهانة والمملكة
شق بوغي يعلون طريقه إلى «الليكود» بتأييد لوبي المستوطنين، وقد رد الجميل بتضامنه الكامل معه، وقد شارك في مسيرة احتجاج للمستوطنين بعد أحداث سانور، حيث تم الاخلال بأوامر الجيش الاسرائيلي، وكان احترام القانون بالنسبة له غير مهم في حينه.
في نقاش مع نتنياهو عارض يعلون الحل الوسط للبناء في بيت إيل. لا يمكن تعزيز المخلين بالقانون. كان هناك من اعتقد أن ما يحركه هو الإساءة الشخصية. 
لقد أساء له المستوطنون - لذلك هو يعارضهم، هذا هو التفسير الذي قدمه زملاؤه رداً على سلوكه الفظ فيما يتعلق بتقرير لوكر الصبياني.
وفي نظرة إلى الوراء فان قراره إخلاء البيوت في بيت إيل بالقوة في صباح الثلاثاء، كان صائبا، ولو كانت البيوت مملوءة بالشباب لكان الحدث أصعب وأخطر، ولكانت الحكومة حينها ستسلم بالأمر.
لكن يعلون فقد أساس قوته، ففي يومي الصراع على البيوت في بيت ايل وقف ضده اغلبية الوزراء الجدد في «الليكود» – الكين ولفين وايكونيس وميري ريغف، وكان مهماً بالنسبة إليه التصالح مع المستوطنين، والوزراء القدامى فضلوا الصمت.
 لوبي المستوطنين السياسي عابر للأحزاب، يشارك فيه وزراء «الليكود» و»البيت اليهودي»، وكل رؤساء المجالس في الضفة الغربية هم من «الليكود» وليسوا من «البيت اليهودي»: تشمل القائمة رؤساء مجالس شومرون، بنيامين، بيت ايل، افرات، ارئيل، كريات اربع، غوش عصيون، معاليه ادوميم، غور الأردن وكدوميم. 
بعضهم يحمل اسم «الليكود» بشكل علني والبعض يحمله بتواضع، هم جسر نتنياهو لجمهور المستوطنين، وهم الخطر عليه.

عن «يديعوت»