الدم يُسفك والسجال بينهم

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

ما يجري في غزة، وما جرى عند حاجز زعترة في الضفة، يكشف زيف العالم الفاقد للحساسية حيال جرائم إسرائيل ومستوطنيها. يتبدى الرياء وإنكار الفظائع، من قبل الأمريكيين الذين تهتز مؤسستهم التشريعية لمقتل أمريكي أو سجنه، أو لواقعة قتل مواطن سعودي في قنصلية بلاده. بل في هذه الواقعة الأخيرة، تكون ردود الأفعال موصولة بصفقات السلاح وأثمانها، وباعتبارات السوق خشية أن ترسو الصفقات على الفرنسيين أو الروس. أما النفس البشرية، فلا اعتبار لها في هذا العالم الذي يتشدق بالكلام عن حقوق الإنسان وكرامة النفس البشرية، وحقها في أن تكون آمنة ومكتفية في حياتها. إن العالم يسقط أخلاقياً. الجزء النافذ منه يسقط بمساندة دولة القتل والإرهاب، والجزء الهزيل منه، يسقط لصمته. كأن السيدة عايشة الرابي، التي قُتلت عند حاجز زعترة، وجُرح زوجها، كانت إرهابية ولم تكن عابرة سبيل مسالمة وعزلاء. ذلك علماً بأن مراكز البحوث في الولايات المتحدة، تعرف أن الظلم والقتل والاستهتار بدماء البشر، هي أهم أسباب نشوء الإرهاب الأعمى. فالمستكبرون الإمبرياليون، من قديم، فقدوا عقولهم وفارقوا المنطق، وتمكنت منهم غرائزهم وطفا جشعهم الى مال السلاح وحسابات الربح والخسارة في أسواقه!

إن هذه هي معطيات الواقع. فلم يعد هناك ما يوجب الرهان على المجتمع الدولي. وبناء على جميع المعطيات، ينبغي أن تُرسم السياسات، وأن يأخد حكام الشعوب المستضعفة، في اعتبارهم، أننا في مرحلة إنهيار للقيم التي تأسست عليها العلاقات الدولية، وأننا بصدد حقبة سوداء، ظهرت فيها كل علامات الشيخوخة على وجه المنظمة الدولية ومنابرها!

في غزة، سبعة شهداء مجردين من السلاح،  و250 إصابة، من فئات عمرية صغيرة وشابة، سقطوا أمس في يومٍ من أيام الغضب والاحتجاج على الحصار والمظالم الكثيرة. ولا كلمة إدانة للقتلة، تصدر عن قوى الاستكبار. والكيانات الهزيلة تلوذ الى الصمت. فلا قيمة عندها للدم ولا معنى للقتل عند فاقدي الشعور بمعنى الإنسانية!

بيان اليوم الذي أسمعه لنا الناطق باسم الحكومة الفلسطينية في رام الله، يدعو "إلى تحقيق المصالحة الوطنية بشكل فوري وسريع، والتعالي فوق الجراح أمام متطلبات المصلحة الوطنية العليا، وأمام التحديات الخطيرة التي تهدد المشروع الوطني برمته". معنى ذلك أن الحكومة والرئاسة الفلسطينيتين، تتكاذبان. أمس، وكما هو المعتاد، أنبأت خطبة الجمعة، بآخر ما استقر عليه الرأي لدى سيد "المقاطعة" وهو حث سكان قطاع غزة على "الجهاد" ضد حماس، باعتباره واجباً شرعياً، وبعد 24 ساعة يصدر بيان الحكومة ليدعو الى مصالحة فورية وعاجلة مع من جعلتهم الخطبة في حكم التتار. ولا يعلم الفلسطينيون في قطاع غزة، ما الذي يريده الحاكمون في رام الله بالضبط، الهجوم لإسقاط حكم حماس والخوض في المقتلة التي أفتى بها فقيه السلطان، وجعلها واجباً شرعياً، أم الخوص في المصالحة الفورية التي أفتى بها الناطق بلسان حكومة الحمد الله، وجعلها وسيلة ضرورية للحفاظ على المصالح العليا. وبحكم أن الشعب الفلسطيني لا يقبض فتوى، لا من الرئاسة الفلسطينية ولا من الحكومة ولا من حماس؛ فإن كل هذه الترهات لا تدل إلا على حقيقة واحدة، وهي أن الشريحة السياسية الممسكة بمقاليد الأمور في بلادنا، لا تعرف ماذا تريد، وإن زعمت كذباً أنها تريد شيئاً، فإن الكذوب منها ليس ذَكوراً، وإنما ينسى ما قاله قبل ساعات. الأطراف كلها تتحدث عن المصلحة الوطنية، بينما آخر المسائل التي يمكن أن تجلس فيها، لكي تتفكر في أمرها، هي المصلحة الوطنية. الدم الفلسطيني يُسفك، وهم يثرثرون ويرون السجال الرئيسي الذي ينبغي أن يكون، هو السجال بينهم!