أدوار ومجهودات الأطراف الثلاثة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

معلوم أن لحركة فتح تجربة مريرة مع حماس، لا سيما بعد انقضاضها على الحكم في غزة، وما تلا ذلك من تداعيات طاولت الكثير من أعضائها، بين الأذى الجسدي والسجن والإهانات والاستيلاء على المقدرات. غير أن طبائع الحياة وضرورات عدة، في واقعنا كشعب يرزح تحت نير الاحتلال؛ أوجبت البحث عن مخرج، وهذا ما يعلل التوصل الى العديد من اتفاقات المصالحة منذ العام 2007. كان معنى هذه الاتفاقات، هو أن الطرفين يؤيدان من حيث المبدأ، العودة الى الوفاق الوطني، لكنهما استسلما لغرئز وضديات حالت دون التنفيذ. وهذا ما جعل التيار الوطني الإصلاحي في حركة فتح، يسهم في محاولات تنقية الأجواء، وإنجاز المصالحة المجتمعية وحل مشكلات الدم لتهدئة المناخ الاجتماعي. فلا حل للخصومات الداخلية إلا بتجفيف أسبابها وخلفياته المريرة، وتجاوز حال العداء المستحكم، منعاً للانزلاق الى نزاع أهلي دامٍ ومديد. ولهذا المنطق، من الوجاهة التي لا تُضعفها التصريحات التي تؤجج الخصومة بين الطرفين.

اليوم نحن أمام مخاطر جسيمة، يبتعد فيها الكلام عن كل منطق، لا سيما في الاتهامات. الوقائع من حولنا تأخذ مجراها، والآخرون سائرون في خططهم لتصفية القضية الوطنية. والشريحة السياسية تتجه في خط موازٍ لاستكمال عملية التدمير الذاتي. وتدلنا النظرة الفاحصة على ما قيل في الأيام الأخيرة، على أن هذه الشريحة الطافية على سطح الحياة السياسية، لا زالت تائهة ولا تكف عن الهذيان وهي بعيدة عن الواقع الذي تعيش فيه، وليس أدل على ذلك من التصريحات، التي حادت عن كل منطق.

بعض التصريحات تبدأ من النقطة التي تلائمها، كتصريح محمود العالول اليوم، الذي يتجاهل كارثة منع الوقود عن قطاع غزة، وكأن الوقود عبارة عن نوع من الكماليات، أو نوع من العطور مثلاً، يمكن الاستغناء عنه. ويتفلسف العالول في تحليل حدث دخول الوقود، فيعتبره دليلاً على أن حماس تساعد الإحتلال في الضغط على الشعب الفلسطيني. ولا نعلم كيف يستطيع أي تحليل، جعل وصول الوقود ضغطاً أو سبباً لتصفية القضية الوطنية، وبأية براهين أو قرائن. في اليوم نفسه، يقول نتنياهو إن إسرائيل قريبة جداً من ضربات قاسية ضد حماس. ولا نعلم كيف يتلقى من يهدد بالضرب، مساعدة من حماس في شأن استراتيجي؟!

حيال منطق العالول، نكون بصدد كلام عجيب غريب: طرف يعتبر دخول الوقود ضغطاً على الشعب الفلسطيني، وهو من جانبه قرر ألا يضغط وألا يسمح بوقود غير ضاغط، إن سلمنا جدلاً بأن السولار نوعان، واحد حميد ومَرضيٌ عنه ومأذونٌ به، وآخر خبيث، غير مرضي عنه وغير مأذونٌ به. والعالول في موقعه، مترف بالطاقة والمال ووقود السيارات، والسكان مضغوطون ويريدون الوقود، ونتنياهو غير راضٍ لا عن الوقود ولا عن السكان ولا عن فتح حماس، ويريد أن يضرب. فكيف نفكك هذه المعادلة المعقدة؟

بيان حكومة الحمد الله، يرى أن المصالحة العاجلة وشيكة، وخطبة الجمعة عند عباس تقول إن الهجوم على حماس ينبغي أن يكون وشيكاً، لأن الواجبات الشرعية في فقه الخطيب، لا تؤجل.

الأكثر غرابة وسماجة، هو القول إن حماس وإسرائيل يضغطان معاً على غزة بالوقود. فبماذا يضغط عباس إذاً؟ أم إن العالول لا يرى ضغطه، ولا يتأمل تصريحات "المقاطعة" وتلويحها بغضوط جديدة، بذريعة طلب التمكين لها في غزة، دونما أي تفكير حتى في كيفية تحقيق هذا التكمين، بينما هو يحرم أسر الموالين لفتح وللحركة الوطنية، الذين يُفترض أنه سيضغط بهم، من التمكين لأنفسهم وأسرهم وأطفالهم من الخبز وأكلاف الحياة!

نتنياهو يهدد، والعالول يتهم، وحماس ماضية في تشييع الشهداء ضحايا الجُمع، والجميع يلعب لعبته. وفي المحصلة، عباس لن يتمكن، وحماس لن ترضخ، ونتنياهو لن يهجم، وسكان قطاع غزة هم الضحايا، والقضية تتفكك بأدوار ومجهودات الأطراف الثلاثة!