ليس هناك من شك ، أن قضية الخاشقجي ، ستشكل منعطفا مهما في الحياة العربية التي ستحتاج الى منعطفات أخرى للوصول الى احترام انسانية الانسان العربي التي لا يمكن لها ان تكتمل الا بحرية رأيه وفكره ومعتقده ، ما عبر عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من أن حرية الكلمة هي المقدمة الاولى للديمقراطية ، و فيلسوف الثورة الفرنسية "فولتير" قبل نحو ثلاثة قرون بما معناه : "انني مستعد ان ادفع حياتي ثمنا لكي تعبرعن رأيك المخالف لرأيي" .
قد يجيب ذلك عن سؤال يتردد اليوم في اذهاننا ويكاد يقفز على ألسنتنا ، لماذا يصمت العرب الرسميون ومعهم ما تيسر من منظمات تدعي الحقوقية والصحفية والنقابية عن إدانة مثل هذا القتل الأسود الذي أحاط بقضية خاشقجي، ولماذا ينتظرون من الاجانب وعلى رأسهم دونالد ترامب او تريزا ماي او انجيلا ميركل – كممثلين عن الاحزاب اليمينية - القيام بذلك ، هل لأنهم خائفون من القنصلية ، أو لأن كل زعيم منهم على رأسه بطحته فيتحسسها؟ بمعنى ان سجله في القتل والخطف والسحل حافل ، وأن دماء كثيرة قد تغسلت بها أياديهم وأيادي أجهزة مخابراتهم ، وتراشقت على جدران زنازينهم ، من المحيط الى الخليج ، والذي بقي حيا ، استهدفوا فرحه بقول مظفر النواب : "في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي / اصبحت احاذر حتى الاطفال / احاذر حتى الحيطان" وبقول ناجي العلي رسما ردا على سؤال : هل تكتب الافتتاحية ؟ - أنا أكتب وصيتي . وضاعت وصيته وضاع دمه قبل ثلاثين سنة في تلابيب الضباب اللندني .
أي زعيم عربي يقف اليوم لينفي الى شعبه انه قتل صحفيا ، يكون سلفه قد فعلها ، فهو قد وصل الحكم أما بالتوارث عن أبيه وجده الحافلة سجلاتهم بمثل هذا القتل ، وإما بالدبابة التي تواجه من ضمن من تواجه حملة الاقلام والمقر العام للاذاعة والتلفزيون لاذاعة البيان الاول .
لقد مضى اسبوعان على دخول الخاشقجي قنصلية بلاده في اسطنبول دون ان يخرج منها ، ودون ان نسمع صوتا عربيا رسميا واحدا يطالب بإخراجه حيا ليعود الى عائلته او ميتا لكي يتم دفنه وفق قوانين السماء.
هذا الصمت أقل وطأة من وقوف أنظمة تستسهل هذا الدم وتحرف بوصلة هذا الهم الذي يبعث من جديد إلقاء المفكر ناصر بن سعيد حيا من الطائرة قبل أربعين سنة و تقطيع اوصال ابن المقفع وشيّها في النار قبل ما يزيد على ألف سنة .
وبالمناسبة، فإن كتابه النوعي "كليلة ودمنة" الذي وضعه على ألسنة الحيوانات ، كي يتحاشى غضب الحاكم النزق ، لم يكن ترجمة عن الهندية لحوار بين الملك دوبلشيم والفيلسوف بيدبا كما أشار في مقدمته ، وان الفيلسوف فولتير الذي قال "انه لا يمكن لنا كأفراد، أن تكون لنا حريات فردية أساسية كحرية التعبير، إذا لم نتمكن من التوثيق والتدليل على معتقداتنا الشخصية" ، أن "فولتير" مجرد اسم حركي لكي يخفي اسمه الحقيقي فرانسوا آرويه.
