مشانق فيس بوك، ومقاصل تويتر

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

يمكن لمتابعي شبكات التواصل الإلكترونية أن يُلاحظوا بوضوح استخدام أحدث الأسلحة الفتَّاكة في هذه الشبكات، بخاصة في مجال عمليات التشهير، والاتهام، والتشويه، والتنكيل لكثيرٍ من الشخصيات، تُنفَّذ عمليات التنكيل والتشهير كلَّ دقيقة في صفحات شبكات التواصل الإلكترونية، هذا التنكيل الإلكتروني الحديث، هو تصفية نفسية خطيرة، بل هو أخطر من التصفيات الجسدية، لأنه يحظى اليوم بشعبية واسعة، يُنفِّذها عددٌ كبير من رواد شبكات التواصل!
يجري التنكيلُ بعدة طرق، تبدأ أولا بنشر خبرٍ عن شخصيةٍ من الشخصيات، وهذه نقطة البداية، ثم يلجأ المتابعون وزبائن الشبكة إلى موقع الحدث، أو صفحته الشخصية الإلكترونية، كلٌّ يقتطعُ من الصفحة دليلَ اتهام، بعد أن يرتدوا زيَّ محققي الشرطة ويُشهرون سلاحهم، ثم يشرعون في تنفيذ عقوبة التنكيل، وفق مواصفات الخبر التحريضي، وبدون التحقُّق من صحة الخبر، ثم يشرعون في نصب شِباك صفحاتهم لجني الغنائم، بجمعِ تعليقات روَّاد وآراء زبائنِ صفحاتهم الإلكترونية، ينتشون على لكمات النقد والتجريح، ويُهللون على صفعات التعليقات غير البريئة، ويقهقهون على بصقات الشتائم المنفِّرة!
ثم يتولَّى زبائنُ شبكات التواصل الإلكترونية من فئة البسطاء الترويج لتهمة التنكيل، ويشرعون في توزيعها، لتصبح طَبَقا شعبيا واسع الانتشار، يلتذّذُ به مالكو ومديرو هذه الشبكات لما يُدرُّه من ربحٍ وفيرٍ. تمرُّ عمليةُ التنكيل بالمراحل التالية:
تشريح سيرة المتهم الشخصية، باستبعاد كل الايجابيات في شخصية المُنكَّل به، مع التركيز على سقطاتِ لسانه، ومناطق ضعفه، وقصصه التافهة المُتداولة! ثم يجري الانتقال للمرحلة الثانية، وهي الرد على كل الذين يتصدون للدفاع عن المتهم، بوصفهم شركاء له، وفي الغالب يجري التنكيل بهم أيضا، بعد اتهامهم بالنفاق!
 ثم يجري الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي فتح ملفاته القديمة، التي قد تعود إلى عشرات السنوات، ونشر آرائه وصوره المُعزِّزة لتهمة التنكيل.
وفي مرحلة أخرى من مراحل التنكيل يُستخدم برنامج الفوتوشوب في السخرية من المنكل بهم، وتصويرهم في صور ساخرة ومُزرية!!
ثُمَّ يجري توسيع نطاق معركة التنكيل الفردية، أي تحويل المعركة من معركة ضد متهم واحد إلى معركة ضد متهمين كثُر!
وفي هذه المرحلة تتعدَّدُ التُّهم الموجَّهة إلى المتهمين، ثم تتطور هذه التهم، والتي قد تبدأ بتهمة السرقة، والغش، والاحتيال، والفجور، والفساد، لتنتهي بالجوسسة والعمالة للأعداء!!
أما آخر عمليات التنكيل هي بالتأكيد عقد محاكمات فيسبوكية، وتويترية لمحاكمة المُنكَّل بهم، ونصب مشانق الفيس بوك، ومقاصل التويتر، وإصدار الحكم القاطع بإسكات المتهمين ونصب المشانق!
إن الوسيلة الوحيدة المُتاحة في هذا السوق الإلكتروني للمعرضين للتنكيل هو فقط تجنيد الأنصار والداعمين، ومَن يَعدم هذه النُّصرة، فإنه مُنَكَّلٌ به لا محالة!
ومَن ينجح في تجنيد الأنصار والمُريدين، فإنه يُحوِّل المعركة من معركة فردية، إلى معركة جماعية، قبلية، أو حزبية، أو وطنية، فتتحول من تنكيلٍ فردي إلى فوضى عارمة، تُحقِّق أهدافَ مؤسسي شبكات التنكيل والتضليل الاستعمارية، بنشر الفوضى، وتفكيك الأوطان!
استغلَّ قادةُ العالم من فئة التُجَّار السماسرة والنخَّاسين هذه التكنولوجيا الحديثة، وجندوا لها جيوشاً لإعادة تشكيل خريطة العالم، وفق مصالحهم، قام هؤلاءِ بإعادة تدوير هذه التكنولوجيا كبديل للنظام الاستعماري التقليدي البائد لتوظيفها كأداةٍ للاستعباد، والإذلال، والقهر، والإحباط، وكانت الضحيةُ هي الدولُ التي يُخشى من سطوتها، لما تملكه من مخزوناتٍ تاريخية وتُراثية، وثروات طبيعية، لأجل تحويلها من منافِسٍ على عرش العالم إلى توابع تعيش على فضلات وصدقات مالكي هذه التكنولوجيا.