هل تكرس الانقسام ؟

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

توقع الكثيرون أن تكون دورة المجلس المركزي إيذاناً بتكريس الانقسام في ظل «المقاطعة» التي تمت لجلساته، كما توقع الكثيرون، أيضاً، أن تؤدي القرارات التي كانت متوقعة ومنتظرة إلى انهيار النظام السياسي الفلسطيني، وتكريس الانقسام وتحولها إلى حالة «واقعية» ليس فيها غير اتجاه ومسار واحد وهو الانفصال.
الذي حمى الحالة الوطنية من مثل هذا «الانهيار» أو الانزلاق إلى تحول الانقسام إلى حالة واقعية من الانفصال هو المجلس المركزي نفسه وليس أي شيء آخر.
المجلس المركزي كما أثبتت دورته الأخيرة مؤسسة وطنية مسؤولة، تعرف جيداً متى تتشدد ومتى تعتدل، ومتى تحسم ومتى تبقي الباب مفتوحاً أو موارباً، ومتى تنذر ومتى تحذّر.
وبالعودة إلى القرارات فإن «المقاطعين» الذين التقوا مع غير المشاركين (حماس والجهاد) فقد «اكتشفوا» أن دورة المجلس هذه وهذه بالذات قد أفقدتهم كل الأسباب والمبررات التي طرحت كمبررات لعدم المشاركة والمقاطعة، ونزعت من بين أيديهم كل الذرائع التي تصوروا أنها ستكون كافية لتحميل هذه الدورة بالذات مسؤولية تكريس الانقسام.
لهذا يبدو المشهد الفلسطيني الداخلي بعد هذه الدورة أقل شططاً وارتباكاً وتشوشاً بالمقارنة مع هذا المشهد قبلها. المراقب لردود الفعل «الحقيقية» على قرارات هذه الدورة يلاحظ ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول، تمثل في اعتراف ضمني أحياناً وصريح أحياناً أخرى بأن القرارات كانت جيدة ولكن العبرة في التنفيذ.
أي بمعنى تم الاعتراف بأن هذه القرارات كانت صائبة وشجاعة وصحيحة ولكن!؟
أن تكون العبرة في التنفيذ فهذه مسألة تنطبق على أي قرارات، وكل دورة من دورات المجلس المركزي، وتنطبق على كل نشاط سياسي يتضمن صفة القرار والتوجه ورسم السياسات.
أي أن المقاطعة من هذه الزاوية بالذات هي موقف خاطئ وسيئ على عكس قرارات المجلس المركزي.
الاتجاه الثاني، لم يعترف بعد لا نصاً ولا ضمنياً، أن المقاطعة كانت صحيحة أو خاطئة ولكنه (الاتجاه الثاني) ذهب إلى ميدان آخر لتفسير مواقفه ومواقعه وسياساته، ألا وهو اتجاه «التفرُّد» بالحالة السياسية الفلسطينية في إشارة إلى حركة فتح وفي إشارات إلى الدور الذي يلعبه الرئيس الفلسطيني تحديداً على هذا الصعيد.
لكن مصيبة هذا الاتجاه أن مبررات المقاطعة وأسبابها في هذه الحالة هي نفسها المبررات والأسباب التي كان توجب عدم المقاطعة.
فإذا كانت فتح تتفرَّد والرئيس يتفرَّد فمن الأجدى المشاركة للحد ما أمكن من هذا التفرُّد، ومن الأجدى أن تكون المشاركة سبباً إضافياً لإقناع الناس «بخطر» التفرُّد ولإقناع فتح بالذات بضرورة التخلي عن هذا التفرُّد.
أقصد أن فتح كانت ستكون أكثر انفتاحاً على كل أفكار التفرُّد فيما لو أنها رأت بأن القوى المشاركة في دورة المجلس المركزي ترمي بثقلها للحدّ منه.
أما عندما تكون الساحة الفلسطينية في مثل هذا المفترق، وعندما ترى فتح أن هناك هجوماً كاسحاً على المنظمة من حيث الدور والمكانة، ومن حيث محاولات خلق الأجسام البديلة والموازية، ومن حيث تكالب وتقاطع جبهات هذا الهجوم مع المواقف الأميركية والإسرائيلية فإن المقاطعة هنا لا تعود مفهومة، ولا يمكن التوقف فقط عند مبررات التفرُّد، ويصبح موقف المقاطعة إنذار خطر يستحيل التعامل معه باعتباره مجرد سذاجة سياسية أو تيه سياسي وخفة سياسية.
ولسان حال فتح في هذه الحالة يقول: حتى لو أن أمر التفرد صحيح، أو فيه جوانب صحيحة فهل المقاطعة لدورة المجلس سبب كاف لمواجهته أم لتكريسه!؟
أما الاتجاه الثالث فكان همه الأساس هو «الموقف» من حالة القطاع، وكان الحديث عن التفرُّد من باب الاستزادة ليس إلاّ، وكان حديثه عن الشأن السياسي حديثاً مشوشاً بما في ذلك كل المزاودات عن أوسلو والتنسيق الأمني وصفقة القرن.
أصحاب هذا الاتجاه كانوا ـ وما زالوا ـ يعرفون أنهم أصحاب يد طولى في التفرُّد، وهم يعرفون أن المسألة ليست في عبارة قوية وأخرى متوسطة حول أوسلو، وهم باتوا جزءاً من تنسيق أكبر من الأمني وأعلى منه بكثير وبمراحل.
وبما أن المجلس المركزي قد وضع الكثير من النقاط على الكثير من الحروف، فاتخذ من القرارات والتوجهات السياسية ما هو أعلى من إبقاء أي فرص للمزاودة السياسية، وبما أن هذا المجلس قد تنبّه إلى ضرورة عدم المسارعة أو التسرُّع في اتخاذ خطوات جديدة حيال غزة وحيال المجلس التشريعي، فقد حصر النقاش اليوم حول «التفرُّد» وحول «الحصار» على غزة، ولم يعد يتوفر للاتجاهات الثلاثة أي مواد «دسمة» للمزاودة بها سياسياً ووطنياً على حد سواء.
يمكن القول إن الاتجاه الأول عبّر عنه محمد دحلان بصراحة في تصنيف مواقف كل من الشعبية والديمقراطية والمبادرة في اطار الاتجاه الثاني، وتمثل حماس وإلى حد ما الجهاد الإسلامي الاتجاه الثالث.
وحتى نعطي بقدر ما هو ممكن ومتاح الأمور طابعها الموضوعي فإن الكثير من الانتقادات يمكن أن تكون صحيحة وخصوصاً في مجال العلاقات الداخلية الفلسطينية بما في ذلك ما يمكن وصفه بالتفرُّد، ويمكن أن يضاف إلى ذلك موقف سياسي هنا وآخر هناك، لكن الحقيقة هي أن كل ذلك وإن كان صحيحاً أو يمكن اعتباره صحيحا لا يفسر ولا يبرر مقاطعة أعمال المجلس المركزي.
فسواء شئنا أم أبينا، أحببنا أم كرهنا، فرحنا أم غضبنا تبقى المنظمة هي عنوان الوحدة وعنوان الحرية وعنوان الاستقلال، وهي أولاً وقبل كل شيء عنوان الوطنية الفلسطينية، وآن الأوان لحسم هذا الأمر مرةً وإلى الأبد.