اعترفت الصحف الإسرائيلية وكُتّابها، بأن العملية الإرهابية في قرية دوما جنوب نابلس، التي أدت إلى استشهاد الرضيع الفلسطيني علي دوابشة حرقاً، وتركت والديه وشقيقه في حالة الخطر، ناجمة عن سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي تغذي التطرّف، وتقصير "الشاباك" في توظيف الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين.
وطالب عدد من الكتاب الإسرائيليين، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بضرورة التحرك، محذرين من المخاطر التي يمكن أن تفضي إليها عمليات من هذا النوع على إسرائيل، وربما على نتنياهو وزرائه أيضاً، كما حذروا من أن الإسرائيليين الذين يلتزمون الصمت، يساهمون أيضاً في زيادة وتيرة إرهاب المستوطنين.
وتحت عنوان "بدل أن تكبلوا الأيادي: دعوا الشاباك يعمل"، كتب يؤاف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن "الإرهاب الإسرائيلي خرج عن السيطرة ولا بد من التعامل معه بطرق أخرى"، في حين أن "ما يقلق الأجهزة الأمنية شعورها بأن أيديها مكبّلة جزئياً"، منوهاً إلى أن التحقيقات لم تفضِ إلى نتائج في عشرات العمليات التي نُفذت ضد فلسطينيين، بما في ذلك إحراق مساجد وكنائس، وفي حالات أخرى كانت العقوبات سخيفة.
وذكر أنه "في ظل ادعاءات "الشاباك"، بأنه حتى في الحالات التي لم يُحاكم فيها أحد، فإن هوية الفاعلين معروفة، ولكن لعدم وجود شهود أو لعدم كشف معلومات استخباراتية، لم تُقدّم ضدهم لوائح اتهام، فإنه لهذه الأسباب بالضبط وجدت الاعتقالات الإدارية، التي على الأجهزة الأمنية تنفيذها بشكل واسع ضد عناصر اليمين المتطرف".
وفي سياق الإشارة إلى مسؤولية القيادات والأحزاب الإسرائيلية، كتبت سيما كدمون، في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، تحت عنوان "لم نعد أفضل من الآخرين"، أن "من يقف راء هؤلاء القتلة منظمة متينة من التحريض، تبدأ بمن يقترحون مهاجمة المحكمة العليا بآليات الحفر والجرافات"، في إشارة إلى النائب الإسرائيلي موطي يوغيف.
وذكرت أن من يقفون على الشرفات، يشجعون المجرمين، في إشارة إلى قيادات "الليكود" وبينها نتنياهو، التي شاركت في تظاهرة بالقدس قبل أسبوعين من مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، تم خلالها رفع صوره وهو يضع الكوفية الفلسطينية. وأضافت كدمون: "لا تقولوا لنا أن الحديث هو عن أعشاب برية متفرقة بل هو عن أتلام كاملة. لا تستنكروا الأعمال الإجرامية بعد وقوعها، بل امنعوها فقط".
من جهته، اعتبر جدعون ليفي، في المقال الافتتاحي لصحيفة "هآرتس"، أن "الأرض الخصبة لحارقي عائلة دوابشة، هي الجيش الإسرائيلي، حتى لو لم يخدموا به. عندما يكون قتل 500 طفل في غزة أمرا مشروعا، ولا يثير حتى محاسبة للنفس، فما الضير إذاً في إحراق بيت بأطفاله؟ وما الفرق بين إلقاء زجاجة حارقة وإلقاء قنبلة؟"، وخلص إلى أنه لا فرق بين كلا الأمرين، لأنه تم تنفيذهما عن قصد.
وأضاف ليفي أنه لا مجال للوم المستوطنين، فيما أن "إطلاق النار على الفلسطينيين بات أمراً يومياً تقريباً، فبعد إحراق العائلة قُتل شخصان أحدهما في الضفة والآخر على حدود غزة... فدماء الفلسطينيين باتت مباحة، من قِبل الجيش، كما أنها رخيصة في نظر المجتمع، وعليه، مسموح لمليشيات المستوطنين قتلهم أيضاً".
وألقى ليفي باللوم أيضاً على "الحكومات والسياسيين الذين يتنافسون في التملق للمستوطنين، ومن يمنحهم 300 بيت جديد مقابل عنفهم في مستوطنة بيت إيل، ليكون العنف بذلك ليس مسموحاً فقط وإنما مربحاً أيضاً". وذكر ليفي أن الإسرائيليين الذين يلتزمون الصمت عما يحدث ويظنون أنهم شعب الله المختار، ويعتقدون بأن التطورات ستبقى محصورة في حدود الضفة الغربية، يتحمّلون المسؤولية أيضاً تجاه جرائم المستوطنين.
الكاتب دافيد غروسمان، هاجم عبر صفحات "هآرتس" نتنياهو ووزراءه، فكتب أنه "من الصعب أن نفهم كيف لا يرون الصلة بين سلطة الاحتلال المستمر منذ 48 عاماً، وبين الواقع المظلم والمتعصب الذي نشأ في الوعي الإسرائيلي في المناطق الحدودية. الواقع الذي يزداد عدد وكلائه والمروجين له يومياً، بحيث بات يمتد إلى مناطق أخرى، وباتت مقبولاً وشرعياً أكثر في الشارع الاسرائيلي، وفي الكنيست وعلى طاولة الحكومة".
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء ومؤيديه، يرفضون بنوع من العناد أن يفهموا الرؤية التي تتبلور في وعي الشعب المُحتل، بعد نحو 50 عاماً من الاحتلال، التصوّر الذي بموجبه هناك نوعان من الناس، وأن القابع تحت الاحتلال أقل درجة من المحتل كإنسان، مما يمنح أشخاصاً السهولة المرعبة بوضع حد لحياة الآخر، حتى لو كان ابن عام ونصف عام". وحذر غروسمان، نتنياهو وزمرته، من أن المجموعات المتطرفة يمكن أن تهدده أيضاً، وحثه على محاربتها.
أما نتنياهو، فانتقل من خط الدفاع إلى خط الهجوم، مبرئاً نفسه وحكومته من الجريمة، معتبراً أن إسرائيل تقوم بمحاربة اعتداءات الكراهية بكل ما أوتيت من قوة، ومتهماً السلطة الفلسطينية بأنها تفعل النقيض من ذلك. وقال: "نحن عازمون بقوة على محاربة ظواهر الكراهية، التعصب والإرهاب من أي جهة كانت. مكافحة هذه الظواهر توحدنا"، مستدركاً: "هذا ما يميزنا عن جيراننا. نحن ندين ونستنكر هؤلاء القتلة، نلاحقهم حتى النهاية، فيما هم (في إشارة للسلطة الفلسطينية) يطلقون أسماء قتلة الأطفال على ميادين، وهذا الاختلاف لا يمكن إخفاؤه أو طمسه"، على حد تعبيره.