حرب إسرائيلية محدودة: فرصة فلسطينية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

مع قرار الكابينيت الإسرائيلي مساء أمس باستمرار الهجمات على قطاع غزة، مع تجنب الانزلاق إلى حرب رابعة على القطاع، تتضح صورة تلك الحرب المحدودة الأهداف والسياقات التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، بالتوازي مع تضارب الأنباء والتصريحات حول حقيقة التوصل إلى تهدئة، أو هدنة مؤقتة بفضل الجهود المصرية والدولية، ويبقى الموقف أكثر غموضاً حول تداعيات هذا التصعيد الذي أدى إلى هذه الحرب المحدودة التي نجح الاحتلال من خلالها بالتغطية عملياً على فشله في إنجاز ما من خلال العملية الاستخبارية التي جرت في شرق مدينة خان يونس قبل ثلاثة أيام، لا أحد يتحدث الآن عن هذه العملية وفشلها نظراً لتطور التصعيد العسكري الإسرائيلي، والرد من قبل قطاع غزة على هذا التصعيد، وتحوله إلى ما هو أقرب إلى حرب، ويبدو كما هو ظاهر، أن أحد أسباب ذلك يعود إلى رغبة الاحتلال في عدم الإبقاء على فشل هذه المحاولة الأمنية التي وصفها «بالمعقّدة» مجالاً للتداول، يضاف إلى هذا العامل أن الاحتلال الذي فقد الكثير من هيبة قواته يحاول استعادتها من خلال هذا التصعيد المحسوب بدقة كي لا تنزلق الأمور إلى حرب جديدة، يعلم الاحتلال أنها لن تؤدي إلاّ إلى تهدئة أو هدنة، تعقبها حرب جديدة، وهكذا بدون أن تتحقق الأهداف الإسرائيلية المعلنة، خاصة وأن الإبقاء على الحالة الفلسطينية الداخلية، الانقسام، هو مكسب إسرائيلي خالص، ما يجعل العودة إلى التفاهمات التي سبقت العملية الأمنية الأخيرة في خان يونس، هدفاً إسرائيلياً في سياق معادلته التي تقوم على هدوء مقابل هدوء، واستثمار الحالة الإنسانية المتأزّمة في قطاع غزة لمكاسب سياسية، تؤدي إلى الإبقاء على حالة الانقسام من جهة، وتأمين عملية الانفصال في اطار أحد أهم أهداف «صفقة القرن» التي تتبناها إدارة ترامب.
مشاهد الحرب المحدودة التي تجري على قطاع غزة، تعيدنا إلى أجواء الحرب الإسرائيلية الثالثة على القطاع عام 2014، وتأكيداً لما سبق أن أدلى به وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان قبل بضعة أشهر، من أن أي حرب جديدة في الجنوب ستبدأ من حيث انتهت الحرب الثالثة، وجميعنا يتذكر في هذا السياق، أن الأيام الأخيرة لتلك الحرب شهدت إقدام قوات الاحتلال على استهداف الأبراج السكنية للمواطنين المدنيين بشكل ممنهج، في سياق الحرب المحدودة التي تجري الآن، عاد هذا المخطط إلى الحياة من خلال استهداف منازل المواطنين والمؤسسات العامة والإعلامية، في رسالة ذات طابع الحرب النفسية، ومحاولة من قبل دولة الاحتلال من أن تدحرج هذه الحرب المحدودة إلى حرب شاملة واسعة، تعني تدميراً كاملاً لكافة أشكال الحياة في القطاع، حرب عشوائية تماماً وبحيث يتم استهداف الضحايا المدنيين بشكل أساسي، رسالة إسرائيلية واضحة من أن عدم رغبة إسرائيل في حرب جديدة، ليست أمراً مطلقاً ولا يجب استثماره من قبل المقاومة للركون إلى أن إمكانية التوسع إلى حرب جديدة غير واردة إسرائيلياً. تعنُّت إسرائيل في التعاطي مع التدخلات والوساطات المصرية والدولية، إشارة إلى أن دولة الاحتلال ستستثمر الحرب المحدودة لتحقيق معادلة جديدة تتعلق بما يقال عن المرحلة الثانية من التفاهمات حول التهدئة، خاصة وأن جملة الصراعات والتعارضات في اطار حكومة نتنياهو وأحزابها، من شأنها أن تشجع الكابينيت إلى اتخاذ قرارات أكثر تصلباً، خاصة في سياق الحديث عن احتمالات تبكير الانتخابات للكنيست، على ضوء جملة من المعطيات الداخلية الإسرائيلية، ورغبة كل حزب في استثمار مواقفه لصالح المزيد من الدعم الشعبي لهذه المواقف للتأثير على صندوق الانتخابات المتوقعة.
إن دعوة مجلس الأمن للانعقاد من قبل القيادة الفلسطينية، قد يشكل خطوة في استنهاض المجتمع الدولي لتوفير حماية للشعب الفلسطيني تنفيذاً لقرارات الأمم الأمم المتحدة بهذا الشأن، إلاّ أنها تظل غير كافية، إذ يجب التطلع إلى استنهاض الوضع الداخلي الفلسطيني، وهذا يتطلب عقد اجتماع قيادي فلسطيني يضم كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي، واستثمار موقف موحّد إزاء العدوان والحرب، لإنهاء حالة الانقسام وتجاوز كل العقبات والاستعصاءات التي شكّلت سدّاً منيعاً أمام تنفيذ الاتفاقات بهذا الشأن!