سيناريوهات غزة ومستقبل الضفة

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

لعل أصعب ما حدث في مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، التي أسفرت عن انفراج نسبي في الوضع المعيشي في القطاع، بعد دخول مساعدات عينية ومادية، في الأيام الأخيرة، بتنسيق مصري، وتنفيذ قطري، وموافقة إسرائيلية، هو أن يصارح الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني (حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي") الناسَ وأنفسهم بأنهم يقبلون هدوءًا طويل الأمد وتطبيعا للأوضاع في غزة.

ومن هنا فإنّ العملية العسكرية الإسرائيلية، ليلة الإثنين الفائت (12 تشرين الثاني 2018، جاءت في محاولة لإرسال رسالة أنّ "الهدنة" تتضمن قدرة إسرائيلية بين حين وآخر، على توجيه ضربات.

العمليّة العسكرية، كانت متوقعة (وأي رد صاروخي عليها)، وغير مستبعدة، ولا تغير من شكل السيناريوهات المقبلة في غزة، والتي تنصب على بقاء الوضع الراهن كما هو، بما يزيد أيضاً من الضغط على الضفة الغربية.

في جزء مما يحصل الآن، تحصل "حماس" على جزء مما كانت تحلم به عند قيامها بالسيطرة العسكرية على قطاع غزة، العام 2007، أي تَقبَل دول إقليمية وعالمية لها، أو التعايش معها. فقد قام الحليف القطري (لحماس) بتقديم مساعدات نوعية كبيرة، وتقبلت مصر وجود "حماس" في غزة لدرجة التوسط لها (وللقطاع) مع الإسرائيليين، رغم معارضة الرئيس محمود عباس، وعقدت الولايات المتحدة الأميركية (في آذار 2018) اجتماعات تناقش مشروعات للقطاع بحضور دول المنطقة، ولا تناقش إنهاء حكم الإخوان المسلمين (حماس) هناك. وسيكون بإمكان فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي مقدمته مستشاره، جاريد كوشنير، أن يعلن الآن "ألم نقل لكم أن الرواتب والأجور أهم من السياسة؟".

هناك سيناريو محتمل الآن، هو أنّ الهدنة، سيلحقها المزيد من الانفراج، وتحديداً التوصل لصفقة تبادل أسرى، وتقديم تسهيلات إضافية من مصر، وبما عبر الإسرائيليون، لحركة دخول الناس والبضائع، من وإلى القطاع، وهذا يزيد حوافز حركة "حماس"، على تطبيع وتهدئة الوضع الداخلي ومنع أي مواجهات مع الإسرائيليين، إلا في إطار الرد على هجمات إسرائيلية. وهذه السيناريوهات، تؤدي ضمناً لتراجع فرص المصالحة الفلسطينية الداخلية، على الأقل في المدى المنظور، (بتراجع ضغط الوضع على حماس)، خصوصاً مع استمرار الخلاف على الصلاحيات في القطاع مع الحكومة الفلسطينية الرسمية.

هناك سيناريو آخر، هو تقليص القيادة الفلسطينية ما تنفقه في القطاع، في الكهرباء والصحة وقطاعات أخرى، ما يقلل من أهمية المساعدة القطرية والتسهيلات المصرية الإسرائيلية. وهو ما قد يؤدي لأحد سيناريوهين؛ مواصلة الدول والقوى الإقليمية سياسة التعامل مع القطاع كإطار منفصل، وهنا سيقوم الإسرائيليون باقتطاع أموال من عائدات الضرائب المحولة للفلسطينيين (المعروفة باسم المقاصّة) وتحويلها للقطاع. أو ضغط مصر لأجل إتمام المصالحة، ولكن وضع "حماس" الجديد سيجعلها أقل مرونةً في قبول مطالب الرئيس الفلسطيني (أبو مازن).

هناك سيناريو كذلك هو ألا تتطور الأوضاع في غزة بعيداً عن النقطة الحالية، ما قد ينبئ بموجة توتر جديدة لاحقاً، يعقبها تهدئة.

في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من حصار قاسٍ، ومن أوضاع معيشية صعبة للغاية، فإنّ فرصه السياسية أفضل كثيراً من الضفة الغربية، فهو غير مستهدف بالضم والاستيطان مثل الضفة. والمتوقع أنّ التهدئة في غزة تؤدي لوضع أكثر راحة للإسرائيليين، مع تخفيف الاستياء الدولي من السياسات الإسرائيلية، بينما يتم تسريع عملية الاستيطان وتوسعتها وزيادة عدوانية المستوطنين، مما سيزيد من صعوبة الحياة اليومية في الضفة، وسيزيد من الفجوة بين الشعب والمستوى السياسي الفلسطيني الرسمي. وقد يبرز سيناريو، تبدو فيه "حماس" بديلا مقبولا حتى للعب دور فاعل في الضفة الغربية، ويتمدد القبول الإسرائيلي بدور "حماس" في قطاع غزة، إلى دور في الضفة (ضمن عملية انتخابية أو ما شابه)، شريطة أن يبقى هذا في إطار الهدنة، وتقبُّل الوجود والاحتلال الإسرائيليين ضمناً (بغض النظر عن الخطاب السياسي).

مثل هذه السيناريوهات ممكنة ومتوقعة في ظل حالة عدم التجديد والانقسام القائمين في البنى السياسية الفلسطينية، وعدم وجود تصور شامل وفاعل للعمل الفلسطيني شعبياً ورسمياً، ولكن إحدى نتائج هذه السيناريوهات فراغ سياسي كبير، ومزيد من تراجع الإيمان بالفصائل القائمة، لصالح أطر وهبّات جديدة للمقاومة الفلسطينية.