في هذه المرة حدث الأمر بسرعة. اليسار ومؤيدوه بجانب الميكروفون تصعبوا العد للعشرة أو الانتظار الى حين تبرد جثة الطفل علي دوابشة. يصعب ملاحظة ما إذا كان هذا القتل يزعزعهم، ومن الاسهل رؤية الانقضاض على الفرصة من اجل اعادة الحياة الى معسكرهم السياسي.
مرت 20 سنة منذ نجاحهم الأخير. تحول اليمين في حينه مرة واحدة الى المتهم بقتل رابين، اذا لم يكن بالقتل فبالتحريض، وإذا لم يكن بالتحريض فباغماض الاعين. بعد عقد ونيف، حيث تلاشت الصدمة الأولية، يحاولون السير من جديد.
بعد هزيمتهم في الانتخابات، وبعد أن نبشوا الجراح وفهموا كيف أن المواطن الغبي في مدينة التطوير لم يفهم في صندوق الانتخاب ما كان يجب عليه أن يفهمه، ووجدت مرة اخرى الوصفة القديمة الجيدة: التحريض، اليمين، معتمرو القبعات، المستوطنون والحاخامات جميعهم يتحملون المسؤولية، جميعهم قَتلوا، واذا لم يقتلوا فقد حرضوا، واذا لم يحرضوا فقد اغمضوا أعينهم.
تم إعطاء الاشارة في ستوديو يوم الجمعة في القناة الثانية حينما كان داني كوشمارو يقدم برنامجا تحريضيا ضد اليمين والمستوطنين. لمن صوت حسب رأيك ذلك القاتل؟ سأل عميت سيغال. كان الرمز واضحا. أنا ايضا اعتقد أن هذا القاتل لم يصوت لأحد. لكن هذا لا يهم. المهم هو أن يوجه كوشمارو هذا السؤال لطرف واحد في الخريطة. لن يسأل أبدا لمن صوت 11 من المحاضرين في الجامعة العبرية الذين تحرشوا جنسيا بالطالبات. ولن يسأل لمن صوت حنان غولدبلت. لماذا؟ لأنه يمكن الافتراض أن هذه الورقة كانت تشبه الورقة التي وضعها المقربون من محيط عمله. وبالتحديد لأن هذا الوقت هو وقت التحريض.
ذهب رازي بركائي في هذا الاتجاه، أول من أمس صباحا ، وهاجم بدون كوابح الوزير نفتالي بينيت: «تاريخيا هذا يخرج من معسكركم. عامي بوبر ويونا ابروشمي ويغئال عمير. ما العمل اذا كان معسكرك يقوم بتخريج هؤلاء الاشخاص؟ كل الذين ذكرتهم يعتمرون القبعات».
أستنكر حسابات كهذه، ونظرا لأنك بدأت يا رازي فهيا نُكمل الامر. هل تريد عمل جدول مقارنة للخارجين على القانون مع أو بدون القبعة؟ هيا. تعال لنعد المغتصبين، ولنعد القتلة، ولنعد سارقي العجزة، ولنعد الذين يطعنون في النوادي. اسأل مراسل الشؤون الجنائية ما هي نسبة الذين يضعون القبعة منهم، ومن اجل معرفة ذلك ليس هناك حاجة للمسؤول عن الانترنت.
المعطى الذي يقول إن القاتلين على الخلفية القومية يأتون كلهم من المعسكر ذاته يجب تتحطيمه مرة واحدة والى الأبد. لا أشعر بالصلة والعلاقة والمسؤولية والوحدة مع الذين يحرقون الاطفال. لكن اذا كان في اليسار من يحاول الصاق المسؤولية بي، فقد حان الوقت لمعرفة مسؤولية اليسار، حسب المنطق ذاته، لقتل المستوطنين. كم ساهمت الحملات الهجومية في وسائل الاعلام والسياسيين من اليسار، وكم ساهمت اللاانسانية في اباحة دماء ابناء عائلة فوغل على سبيل المثال، كم ساهم الادعاء في أنه يجب اخلاء غوش قطيف لأنه توجد هناك عمليات «ارهابية» كثيرة ساهمت في تأجيج عمليات الارهاب نفسها.
اقرأ وأسمع قائمة طويلة من الروايات الشعبية لصحافيين عن التأييد الواسع الذي تحظى به افعال «تدفيع الثمن» في المستوطنات، وعن حاخامات يحرضون وحول قيادة تؤيد بالغمز، ولا أعرف من الذي أعطى هؤلاء الاشخاص شهادة الصحافة. كيف أن الفائدة يكتب عنها في الصحيفة فقط غاي رولنيك ويهودا شاروني، لكن ما يحدث في «يهودا» و»السامرة» يكتب عنه كل محلل سياسي لا يفرق بين عوفرا وافرات ويسمح لنفسه بتقديم معرفته الواسعة.
«لديهم في الدائرة الداخلية مئات الاشخاص»، قال أحد العارفين. «لديهم حسب التقديرات الآلاف»، قال آخر. صحيح أن هناك شبابا هامشيين في المستوطنات. وشبابا هامشيين في القدس. وشبابا هامشيين في بات يم وفي «السامرة». في المنطقتين الاخيرتين يتم العمل بجدية فيما يتعلق بالشباب الهامشيين الذين لا يسمعون مواعظ الحاخامات واقوال الجيش وأمهاتهم. العمل في مواجهة الشباب تهتم به المجالس الاقليمية والعاملات الاجتماعية وجمعيات وحاخامات وعدد من اعضاء «البيت اليهودي» في الكنيست الذين يجلسون معهم في ساعات المساء ويتحدثون حتى ساعات الليل المتأخرة.
في عدد من المستوطنات التي تعتبر في وسائل الاعلام مستوطنات متطرفة، يتم طرد هؤلاء الشباب بالقوة، لكن لا أحد يعرف ذلك. الكُتاب الذين يحصلون على زاوية للكتابة في صحيفة وكأنهم خبراء في موضوع ما، المحللون بقروش الذين جُل عملهم هو نشر التقديرات حول التصويت على الميزانية ومن سيؤيد أو يعارض صيغة الغاز.
أسمع منذ أربعة ايام الاقوال حول ما قاله عضو الكنيست موتي يوغف عن الجرافات فوق المحكمة العليا وأنفجر. أين كنتم حينما خطب احمد الطيبي خطاب «مباركة الشهداء»؟ كم أزعجتموه حينما قال «ليس هناك شيء أسمى من الشهيد»؟ هل نسيتم ما يفعله الشهداء في اوقات الفراغ؟ كم ساعة تم تخصيصها في صوت الجيش لدعوة عضوة الكنيست مقاطعة دولة اسرائيل؟ كم برنامجا تم ملؤه هناك بالقلق على الديمقراطية وحياة الانسان، حيث هدد جمال زحالقة أنه «ستسفك الدماء» اذا صلى اليهود في الحرم؟ كيف لم يتم التطرق الى هذه الاقوال مثل اقوال يوغف؟.
توجه أعضاء «ميرتس»، أول من أمس، للحج عند أبو مازن، مُخلص السلام واليسار الاسرائيلي، الشخص الذي يدفع كل شهر لـ «قتلة الاولاد اليهود» فقط لأنهم قتلوا أولاداً يهوداً. والسؤال حول قصد عضو الكنيست سموتريتش في ختام تعليقه في تويتر لم يعد ذا صلة.
اقرأ ما يكتبه صحافيون مثلي، فقد تبين أخيرا أن لا فرق بيننا وبين الفلسطينيين، ولا أعرف أين يعيشون وما الذي جفف موقفهم. هل يدفعون لدينا راتبا شهريا للقتلة؟ هل عندنا يسمون الميادين على اسماء الشهداء؟ انظروا الى تسونامي التنديد بالقتل، من الطرف الى الطرف. هل يحدث هذا ايضا عند جيراننا الفلسطينيين؟ إن المجتمع لا يقاس حسب الهوامش المتطرفة والعنيفة بل يقاس برد فعل الاغلبية على هذه الهوامش. ألا ترون الفرق بيننا وبين الشعب المتعطش للدماء بجانبنا، في موضوع القتل والدم؟
في كل مرة يقتل فيها يهودي تبدأ التحليلات التي تدافع وتقول إنه، أي «المخرب»، «منفذ فردي»، ليس لأنهم يعرفون، بل لانهم يخافون من أن يثبت هذا القتل بشاعة ودموية شركائهم في السلام. لكن الآن فجأة لا يوجد منفذ عملية فردي. الآن في قرية دوما يتحدثون عن الحاخامات والمحيط المؤيد والتحريض بشكل مستمر، وفقط عند الحديث عنا فان كل من يقتل الاطفال هو مبعوث من قبل جمهور يبلغ المئات والآلاف.
كثيرون ممن يصرخون الآن ضد الارهاب لا يسارعون الى اسماع صوتهم عند حدوث «الارهاب» ضد اليهود. إن قلبهم قاس على اخوانهم ودم المستوطنين لا يعنيهم. وهم يريدون القول إن القتل من قبلنا أخطر. يالله لقد اقتنعت. ومع ذلك، كم مرة انضم شمعون بيريس الى مظاهرات ضد «الارهاب» العربي، وكم مرة زار عائلات ثكلى في «السامرة»؟.
مئة حاخام ورؤساء جاليات ورؤساء معاهد دينية وقعوا قبل سنتين على رسالة تُبين بشكل واضح أن افعال «تدفيع الثمن» محظورة حسب التوراة والاخلاق، وهي مناقضة للقانون وتؤدي الى غضب الله. تم نشر رسالة مشابهة، أول من أمس، وقع عليها حاخامات من ايتمار وعتنئيل والخليل وهار براخا.
هذا لم يمنع يوفال ديسكن، الذي منذ خرج من «الشاباك» يعيش على الكراهية والتحريض، من الكتابة في الشبكات الاجتماعية حول خشية حاخامات الصهيونية الدينية، وأن «بعضهم يؤيدون وبعضهم يرفضون التنديد، بعضهم يُديرون عيونهم. عدد قليل يندد بنصف فم وعدد أقل يندد بفم ملآن». لماذا أذكر ذلك؟ لأنه في مساء يوم الجمعة قال روني دانييل، وهو خبير له اسمه في شؤون الاستيطان والمستوطنين، إن الحاخام اليكيم ليفانون قال لضابط رفيع المستوى إنه يجب أن تسفك هنا أنهر من الدماء. الحاخام ليفانون، الذي ينفي بشدة هذه الاقوال، وقع على العريضة قبل سنتين ضد «تدفيع الثمن». لكن ضريبة فلسفة المحللين هي صفر.
يستطيع العرب القاء ألف حجر على سيارة للمستوطنين دون أن يُذكر ذلك في الأخبار. ويستطيعون رفع شعار «داعش» في الحرم والتحريض على القتل في المسجد هناك ومهاجمة شرطة اسرائيل بالحجارة والزجاجات الحارقة. عندها تأتي فتاة يهودية واحدة وتقول لهم «محمد خنزير». تعبير واحد صغير من كلمتين، ليس لرئيس الحكومة بل لفتاة تبلغ العشرين وهي لا تمثل أي أحد، وهذا يكفي بالنسبة للقناة الثانية لتقول إنها المسؤولة عن موجة العنف لدى العرب. وحتى وصولها الى الحرم كانوا يلقون علينا الورود.
قولوا لي ما هذا اذا لم يكن تحريضا وتلونا سياسيا؟ قولوا لي ما هذا اذا لم يكن ضيق أفق لمن يعتبرون أننا المسؤولون عن كل ما يحدث لنا؟ يقتلوننا؟ هذا بسببنا. ينفذون مجزرة؟ المستوطنون هم المسؤولون. يطلقون النار علينا؟ يجب علينا مراجعة أنفسنا. يخطفون اولادنا؟ هذا بسبب سماحنا لهم بالسفر بالمجان.
بعد خطف الفتيان الثلاثة كتب صاحب عمود ثابت في «يديعوت احرونوت» في الانترنت أنه «في اوقات كهذه، فان قلب كل أب يهودي يقول له الامر ذاته: هؤلاء السفلة يأخذون الاولاد ليسكنوا معهم في المناطق». الآن أغمضوا أعينكم وقولوا لي ماذا كان سيكون حكم صحافي يميني/ ديني لو كان كتب هذا عن والدي علي دوابشة «هذا ما سيحدث لو أخذ هؤلاء السفلة ارض دولة اسرائيل»؟.
لو كان أحد الحاخامات في مستوطنة يقول في خطبته في كنيس ما نسبته 5 بالمئة مما يقوله خطيب في المسجد الاقصى، كل اسبوع، لكان سيجد نفسه مكبلا. كيف، اذاً، لا يهمكم التحريض ضد اليهود؟ كيف أن الصحافيين لا يهاجمون الشرطة التي لا تعتقل هؤلاء الأئمة؟ كيف أنه لا توجد وسيلة اعلام واحدة
تعتبر هذا الامر فضيحة.
الصحافة النزيهة وغير الملونة سياسيا كانت ستقيم الدنيا ولا تقعدها ضد الجالية الانفعالية التي استدعت وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، من اجل الحديث عن العنف، وبعد ذلك لم تسمح له بالحديث. وكانت ستسحق من اطلقوا نداءات التنديد ليوفال شتاينيتس الذي وقف على المنصة وتحدث. وكانت ستحتقر شمعون بيريس الذي تحول فجأة الى محب للمثليين رغم أنه في 2005 عارض مسيرتهم؟.
الصحافة المحايدة كانت ستسخر من المسيرة الانفعالية، التي طلبت أن يخطب فقط كل من يؤيدهم بدل استغلال وجود اعضاء الحزب القومي الديني، حيث لم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك قبل عشر سنوات. يستطيعون القول إن مشكلتهم مع بينيت ومغيل تكمن في قائمة المثليين.
الصحافة الرئيسة في اسرائيل، وعلى رأسها صوت الجيش، خرجت في نهاية الاسبوع في حملة صيد ضد المعسكر القومي. بعد فترة صعبة مليئة بالغربوزيين والكوتلريين، عاد اليسار الى الحياة، وهو بجانب المتهِّم وليس المتهم، بجانب الضحية وليس المعتدي، بجانب الجيدين وليس السيئين.
قبل عشرين سنة حينما تعرض المعسكر القومي للهجوم المركز، صمتنا. فقد كنا خائفين وأنزلنا رؤوسنا وانتظرنا مرور الموجة. الآن نحن لسنا هناك. لن نتنازل، ولن نحني الرأس، ولن نخاف، لن نتحمل مسؤولية ما لم نفعله حتى لو ضغطتم جدا.
هل تصممون على المواجهة؟ سنواجه. تريدون الصراع؟ ستجدونه أمامكم. ولت ايام القطب الواحد ولن تعود. في العام 1993 وبعد قتل رابين، حيث خاف شبابنا من السير في تل ابيب لابسين القبعة على رؤوسهم، أقسمت على نفسي واولادي أن هذا لن يتكرر. نحن لسنا خائفين ولن نصمت.
عن «معاريف»
مسؤولية فتح في كبح "تذاكي حماس السياسي"!
26 سبتمبر 2024