لم تنطفئ بعد النار التي أحرقت الشهيد محمد أبو خضير صيف العام الماضي، حتى كانت النار ذاتها تحرق الطفل الرضيع علي دوابشة وعائلته، بشكل بشع، سيظل عقوداً يعتبر وصمة عار على جبين إسرائيل، وحتى على جبين العالم بأسره، إن لم يسارَع إلى معاقبة القتلة أولاً، وثانياً إلى وضع حد لهذا القتل الفاشي، حتى لا يتواصل تأجج النار فتحرق في النهاية أصابع ورؤوس وأجساد من أشعلها، بمن في ذلك إسرائيل، التي يبدو أن فشلها في "البقاء" كدولة ديمقراطية يجري تداول الحكم فيها بين "يمين ويسار" قد تحول بها إلى دولة انتحارية، تتمثل الآن صورة شمشون الجبار، الذي يهدم في نهاية الأمر المعبد على كل من فيه، بمن فيهم هو نفسه، بعد أن فشل في التحرر من أسر الأسطورة والتحول للواقع.
رغم عزلتها الإقليمية، إلا أن أحداً لا يشك لحظة واحدة، في أن إسرائيل تعتبر لاعباً رئيسياً، في كل ما يحدث في الشرق الأوسط من صراعات، بما في ذلك فتح المجتمعات العربية، وفتح بوابات الاقتتال الداخلي، بهدف فك وإعادة ترتيب الشرق الأوسط، بشكل مغاير لما كان عليه منذ سايكس / بيكو، على أساس من الفرز العرقي والطائفي، بإقامة دول دينية، تبرر تحول إسرائيل "من دولة علمانية / ديمقراطية معلنة _ على الأقل، إلى دولة يهودية، فما دام العرب / المسلمون السنة يقيمون دولة إسلامية سنية، وما دام الفرس / المسلمون الشيعة يقيمون دولة شيعية، والموارنة دولة مسيحية، والدروز دولة درزية ,,, الخ، فمن الطبيعي جدا أن تنشأ القناعة في سياق هذا بحق اليهود / الإسرائيليين بإقامة دولتهم اليهودية.
وهكذا يمكن لإسرائيل أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه طوال سبعة عقود مضت، وبالتحديد في طرد العرب / الفلسطينيين من وطنهم، الذي ظلوا متشبثين به، رغم فتح أبواب جهنم عليهم، طوال العقود الماضية، حتى شكلوا نسبة 20% من سكان دولة إسرائيل ذاتها!
لا بد من القول أيضا بأن "انتصار" الغرب وأميركا في الحرب الباردة، قد أطلق الظلم العالمي من عقاله، بعد أن انهار جدار الاتحاد السوفييتي الذي كان يكبح من جماح عربدة الإمبريالية العالمية، الحليف التاريخي والداعم الدائم والمستمر لتنمر إسرائيل، الذي أبقاها كدولة احتلال حتى اللحظة.
وما كان انهيار الدول العربية والإقليمية المناهضة للغرب الامبريالي، إلا واحدة من نتائج انتهاء الحرب الباردة بانتصار الغرب الامبريالي، ورغم انه توفرت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي فرصة لوضع حد نهائي، شبه عادل، أو حل وسط لواحد من اخطر الصراعات في المنطقة، ونقصد به الصراع العربي _ الفلسطيني / الإسرائيلي، خاصة بعد توقيع اتفاقات أوسلو، إلا أن عدم حيادية الراعي الأميركي، ومناهضة اليمين الإسرائيلي للاتفاق أسقطته، ومنذ ذلك الوقت، أدى فشل الاتفاق وعدم التوصل لحل سياسي لذلك الصراع، في تعزيز اليمين الإسرائيلي أولا في حكم إسرائيل، وثانيا في انتشار التطرف على الجانب العربي، بدءا من وصول حماس للسلطة على الجانب الفلسطيني، وليس انتهاء بمتوالية تفريخات القاعدة، من داعش ونصرة وفجر إسلام، مع الحوثي والحشد الشعبي، بحيث لم يعد مكان يخلو من وجود جماعات الإرهاب الديني في المنطقة.
ولأن إسرائيل تبقى كدولة احتلال نموذج الدولة التي ترعى القهر وتمارس إرهاب الدولة، فان متوالية نحو عشرين عاماً من رعاية الاستيطان الذي تحول إلى "بوصلة" تحدد من يفوز بالانتخابات الإسرائيلية، تحولت إلى آلة للإعداد لإقامة دولة إسرائيل الثانية، عبر تسليح وتنظيم صفوف، بل ودخول تجمعات المستوطنين الانتخابات كقوة مقررة.
منذ وقت طويل، أي منذ أن دعا المتطرف حينها أريئيل شارون شباب المستوطنين للاعتصام بالجبال لمنع تنفيذ أوسلو، وأحفاد مائير كاهانا يتناسلون، وعنوان الإرهاب اليهودي ظاهر على الجدار، حيث تشكلت جماعات الإرهاب اليهودي من مستوطنين منظمين وعقائديين، متطرفين دينيا، لتحقيق أهداف محددة في البداية، ومن خلال السلاح الناري، وتنظيم الصفوف، لأن دولة إسرائيل لا تحاربهم ولا بأي شكل، فرفعت شعار "جباية الثمن" وذلك ردعاً لأي تراخ من قبل الحكومة فيما يخص مواجهة الضغوط الدولية بوقف أو عرقلة الاستيطان، حتى تحولت إلى رفع شعار إحداث الانقلاب في الدولة، وتحويلها إلى دولة يهودية عقائدية، تماماً كما تقول جماعات داعش والقاعدة على الجانب المقابل. أول بشائر نار الإرهاب اليهودي على اليهود الإسرائيليين أنفسهم، ما حدث قبل أيام من تصدي التطرف اليهودي لتظاهرة المثليين في القدس وقتل متظاهرة!
هكذا يذهب الإقليم إلى فصل بالغ الحرارة، بل ومشتعل جدا، وربما لا يمضي طويل وقت، حتى تندلع الحروب الدينية في المنطقة، بين الجماعات والطوائف، وكل من يظن أن إطلاق الشيطان من القمقم، يمكن أن يخيف به أعداءه، يكون مخطئاً، ذلك أن هذا الشيطان في نهاية الأمر سيحرق صاحبه، فالنار لا تعرف حدودا فاصلة، تشتعل اليوم في بيت هذا وتشتعل غداً في بيت ذاك!
المدير السابق لـ CIA يصف تفجيرات البيجر بـ "نوع من الإرهاب"
23 سبتمبر 2024