الى جنود الحافلة .. قفوا وفكروا

التقاط.PNG
حجم الخط

 

تساءل الكثيرون ممن شاهدوا التسجيل المصور لصاروخ "الكورنت" يتربص بحافلة الجنود الاسرائيليين في منطقة جباليا ، لماذا لم يقصفها قبل ان تفرغ حمولتها مما يتراوح بين ثلاثين الى خمسين جنديا ، لماذا اراد قصفها فارغة خاوية؟ لماذا يخاطر بسمعته وشهرته الحربية العالمية خلال فترة نزول الجنود ان تختفي الحافلة من امام عينيه فيفقد هدفه محملا و خاويا على حد سواء ؟

لم يكن هذا قرارا خاصا بصاروخ "الكورنيت" الروسي الصنع ، ولا بالاصبع الرابض على زناده ، بل بالمخ الفلسطيني الذي أراد توصيل رسالة ان الثورة الفلسطينية منذ رصاصتها الاولى لم تكن ثورة قتل وسفك وإبادة ، بل ثورة إرادة على طرد المحتل ووضع الحد لجبروته وعتق الشعب الفلسطيني من براثنه و طواغيته . كان يريد توصيل رسالة ان هذه الثورة ليست دموية ، تقاتل من اجل القتل ، بل ثورة مفاهيم ، مفهوم يناطح مفهوماً ، حتى في ميادين الحرب والنزال ، ان الحق ينتصر على الباطل ، والنور ينتصر على العتمة ، والخير ينتصر على الشر ، والحرية تنتصر على القيد ، والانسان ينتصر على الحيوان ، والحاضر ينتصر على الماضي ، والفلسطيني ينتصر على الصهيوني ، ومجرد كسرة خبز تنتصر على الجوع.

ما الذي سيقوله هؤلاء الجنود الخمسين لبعضهم بعضا وهم يتفرجون على موتهم المؤكد والمحتم ؟ سيكابرون ، لا بأس ، سيقولون انها قيادتهم الحكيمة التي اوعزت بإنزالهم لحظات قبيل انطلاق الصاروخ ، رغم ان وزير أمنهم قدم استقالته ، ولا مجال هنا للحكمة ولا للحنكة ، لا ولا حتى "للدفاع" الكاذب ، فلقد حضروا للقتل من كل ارجاء "المحمية" للفتك بغزة ، شعبا ومقاتلين وشجراً ومباني وتاريخاً وجغرافيا . انها تحت حصارهم منذ ما يزيد على عشر سنوات ، عبارة عن سجن كبير ، لا يتلقى فيه المسجون ثلاث وجبات يوميا.

كان الفتك بغزة حلما راود حتى اسحق رابين "بطل سلام الشجعان" والحاصل على جائزة نوبل ، يحلم ان لا يفيق من النوم ، الا وان يكون البحر قد ابتلعها.

اذا لم يستطع هؤلاء الجنود الخمسين ، الذين أعتقهم "الكورنيت" من الموت المحقق ، اذا لم يستطيعوا مواجهة بعضهم البعض ، فعلى عائلاتهم ، آباؤهم ، أمهاتهم ، زوجاتهم ، ابناؤهم وبناتهم ، مواجهتهم ، ان كفوا عن لعب دور الضحية ، ان كفوا عن مهزلة انكم جيش "دفاع" ، ان كفوا عن اوسخ دور في التاريخ البشري ، استعمار واحتلال واستعباد الآخرين.

لقد زادت المسألة عن كل حدودها وامكانياتها ، حتى لامست السبعين سنة ، ماذا ظل من موبقات ضد هذا الشعب لم ترتكبوها ، وماذا ظل من تساهلات وتنازلات لدى قيادة هذا الشعب لم تقدمها ؟ قفوا وفكروا !