خطف الأطفال

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

قام فكر النظام الدكتاتوري في فترة حكم "فرانكو" (1938~1975)، على أساس التفوق العرقي للعنصر الإسباني، وحسب فكر منظّر العنصرية الفرانكونية الطبيب "أنطونيو ناخيرا"، والذي استوحاه من النازية؛ يجب رفع منزلة الأطفال الإسبان وإنقاذهم من الانحطاط العرقي في عمر مبكر، وذلك بخطفهم من عائلاتهم ذات التوجهات الغريبة مثل الديمقراطية والشيوعية، ومنحهم لعائلات أخرى تتبنى الفكر الفرانكوني العنصري. وبناء عليه، انتزعت قوات النظام آلاف الأطفال من أمهاتهم (داخل السجون ومن المستشفيات) بعد إبلاغ أهاليهم بأنهم توفوا أثناء الولادة، وإنه تم دفنهم بمعرفة المستشفى. وقد استمرت هذه الممارسة حتى بعد وفاة "فرانكو"، حيث اختطف ما يزيد على 50 ألف طفل. 
في أستراليا، كانت الحكومات المتعاقبة تخطف أطفال السكان الأصليين "الأبورجينيز" من عائلاتهم بالقوة، وترسلهم إلى كُنس وأديرة بعيدة، أو تمنحهم لعائلات من المستعمرين الجدد، من أجل "تحويلهم إلى أستراليين بيض"، ما أدى إلى نشوء جيل كامل عرف بـ"الجيل السليب"، كانت الحكومات تعتقد أن انتزاع الأطفال من عائلاتهم سيجعلهم أستراليين (متحضرين) يكتسبون مع مرور الوقت طباع الشعب الأبيض وعاداته وقيمه. ولم تتوقف هذه الممارسة العنصرية إلا سنة 1974.
في الأرجنتين، خلال فترة حكم الديكتاتور "خورخي فيديلا"، كانت الشرطة السرية تختطف النساء والأطفال، خاصة من العائلات المعارضة، وتزج بهم في نحو 350 معسكرا سريا للتعذيب والتصفية، كان يتم اغتصاب النساء واستغلالهن، وبعد ولادتهن في المعتقلات كان النظام يأخذ أطفالهن، ويعطيهم لعائلات ضباط موالين، أو يتم تدريب الأطفال في معسكرات ليصبحوا قوة ضاربة، وخلال هذه السنوات (1976~1981) اختطف النظام 500 طفل، فضلا عن 30 ألف امرأة وطفلة، اختفين ولم يتم العثور على جثامينهن أبدا.
وفي أوغندا، كان "جيش الرب الأوغندي"، يختطف الأطفال من عائلاتهم بالقوة، ويدربهم كجنود أطفال، ويطلب منهم تنفيذ عمليات إعدام تشمل أقاربهم المباشرين، أو يستغلهم للجنس. وما بين العام 2005، حتى 2011، شنت هذه الميليشيا المتمردة عشرات الهجمات على قرى، نفذت خلالها حملات تطهير عرقي وعمليات اغتصاب، أدت إلى نزوح مليوني شخص من مناطقهم، وتم اختطاف ما يزيد على 30 ألف طفل. كان زعيم الجيش "جوزيف كوني"، يدّعي أنه يتلقى الوحي من الأرواح التي تظهر له بالأحلام، وأقنع جنوده بأن الماء المقدس يجعل أجسادهم مقاومة للرصاص. وقد اتخذ من خمسين امرأة مختطفة زوجات له.
كما مارست العديد من المنظمات المتطرفة عمليات تجنيد للأطفال، منها جماعة "طالبان"، وتنظيم "داعش"، لاستخدامهم في شن الهجمات، نظراً لسهولة استمالتهم، ودفعهم لارتكاب العنف، بعد أن تُخضعهم لعمليات غسيل دماغ، تمتد لسنوات، يتعرضون خلالها لشتى صنوف القهر والإخضاع والترهيب، وإجبارهم على الطاعة العمياء، وتهيئتهم لتنفيذ عمليات انتحارية.
وتقدر تقارير "اليونيسيف" عدد الأطفال المجندين الذين يشاركون في القتال حول العالم بحوالى 250~300 ألف طفل. أغلبهم من دول إفريقية.
في التاريخ القديم، كانت الجيوش الغازية، بعد أن تسحق خصمها تختطف نساءه وأطفاله، وتتخذهم/ن سبايا وجواري وعبيدا، أو تنتزع الأطفال من عوائلهم وتتخذهم جنودا.. وتقريبا كل الدول والحضارات مارست هذه الجرائم، فمثلا، في بدايات الدولة العثمانية، أسس السلطان مراد الأول (1362~1389)، قوة خاصة سميت القوات الانكشارية، كان أغلب جنودها من أسرى الحروب الفتيان، من الأطفال الذين يتم فصلهم عن ذويهم وأصولهم، أو من الأيتام، تتم تربيتهم تربية دينية وعسكرية صارمة، بحيث تكون الحرب صنعتهم الوحيدة، يمنعون من الزواج، وينشؤون وهم مؤمنون بأن السلطان هو والدهم الروحي.. وقد شكلت هذه القوة رأس الحربة في حروب الإمبراطورية، وكانوا جنود السلطان الأكثر ثقة، والأكثر انضباطا، والأكفأ مهارة، وقد حظوا بامتيازات خاصة؛ ولكن، بعد ثوراتهم العديدة احتجاجا على سوء معاملتهم، وتحولهم التدريجي إلى قوة فاسدة، قام السلطان محمود الثاني بحلّ هذه الفرقة في العام 1826.
حديثا، ما زال خطف الأطفال ممارسة منهجية لدى عصابات الاتجار بالبشر، ولدى بعض الحكومات، ولكن بطرق ملتوية، فمثلا قامت القوات الأميركية (في عهد ترامب) باختطاف أكثر من ألفي طفل ممن يعبرون الحدود مع ذويهم بطرق التهريب، يتم انتزاعهم بالقوة من أسرهم، بذريعة اختراق الحدود، وبعد فصلهم عن أهاليهم يرسلون إلى جهات مجهولة.
وطبقاً للمركز الوطني الأميركي للأطفال المفقودين، يقدّر عدد الأطفال الذين يتم اختطافهم سنوياً في الولايات المتحدة بنحو 800 ألف طفل، تتم استعادة 97% منهم، أغلبيتهم مخطوفون من قبل أحد الوالدين، أو الأقارب. والبقية يكونون ضحايا العصابات، الذين يستغلونهم جنسيا، أو يتاجرون بأعضائهم، أو يستغلونهم في الأعمال غير المشروعة كترويج المخدرات، أو في العمالة الرخيصة (عبودية).
وحسب تقارير منظمة العمل الدولية، هناك 1.2 مليون طفل يتم الاتجار بهم كل عام. وحسب وكالة الشرطة الأوروبية، أكثر من عشرة آلاف طفل هاجروا إلى بلدان أوروبية دون رفقة أهاليهم في العامين (2015~2016)، وهؤلاء مفقودون، وقد أعربت الشرطة عن خشيتها من استغلالهم من قبل عصابات الاتجار بالأطفال.
في العام 2015، تفجرت فضيحة في باكستان، حيث قامت عصابة قرب لاهور، ثاني أكبر مدن البلاد، باختطاف مئات الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 14 سنة. وصورت في أربعمائة شريط فيديو عمليات اغتصابهم، وإجبارهم على إقامة علاقات جنسية بين بعضهم البعض، وكانت ترسل هذه الأشرطة لأهاليهم لابتزازهم ماليا.. 
في العراق، كشفت إحصائية لمجلس القضاء الأعلى عن 200 قضية نظرت بها المحاكم للعام 2017، متعلقة بجرائم الاتجار بالأطفال، أغلبها في بغداد. وكشفت مصادر شرطية أنه لا يمر يوم دون العثور على طفل رضيع ملقى على قارعة الطريق.
وتفيد تقارير "هيومن رايتس ووتش" عن تورط رجال شرطة فاسدين في مصر والسودان لتسليم مهاجرين (أغلبهم أطفال وفتيان) إلى عصابات الاتجار بالبشر، والتي كان يتركز نشاطها في سيناء. وفي مدن مصرية عديدة تنتشر عصابات متخصصة في خطف الأطفال، تقوم بابتزاز أهاليهم ماليا، أو في استغلالهم في ترويج المخدرات وأعمال التسول، أو بيعهم لعصابات دولية.
وحسب آخر تقرير لهيئة الأسرى، تعتقل إسرائيل 350 طفلا فلسطينيا في سجونها.
الأطفال دائما ضحايا الصراعات والأطماع والمجتمعات الفاسدة.. ارفعوا أياديكم عنهم أيها الأوغاد.