السبب الحقيقي وراء قرار ارئيل شارون اقتلاع 10 آلاف مستوطن من منازلهم، قد يكون أخذه معه الى القبر. الامر الواضح هو أن اغلبية الجمهور الاسرائيلي أيدت قراره هذا في حينه، وآمنت أن هذا القرار سيُحسن الوضع الامني لاسرائيل، كما وعد شارون. من يستطيع التشكيك في تقديرات الجنرال الامنية، هذا الجنرال الذي قاد القوات التي عبرت قناة السويس في الاوقات الصعبة لحرب "يوم الغفران"؟ بعد ذلك بعشر سنوات، بعد ثلاث عمليات كبيرة للجيش الاسرائيلي في قطاع غزة، وآلاف الصواريخ التي استطاعت الوصول الى أجزاء واسعة من اسرائيل يتبين لاغلبية الاسرائيليين أنه كان مخطئا. اغلبية الجمهور تعتقد اليوم حسب الاستطلاعات، أنه ليس فقط قرار اقتلاع "غوش قطيف" كان خاطئا بل إن الجمهور اعتقد في حينه ايضا أن هذا خطأ. وهذا ما يسمى انكارا جماعيا.
بعض جوانب قرار شارون غير مفهومة حتى اليوم. لماذا قرر اقتلاع المستوطنات في شمال القطاع – دوغيت، ايلي سيناي ونسنيت – اضافة الى اقتلاع غوش قطيف ونتساريم. أدخلت هذه الخطوة عسقلان في مدى اطلاق صواريخ القسام القصير. هل شارون كان مخطئا بالخديعة التي دفعته الى الاعتقاد أن الانسحاب الى خط وقف اطلاق النار الذي وضع في شباط 1949، وترك للجيش المصري السيطرة على قطاع غزة، سيُحسن مكانة اسرائيل الدولية؟ تكفي رؤية كم "تحسنت" مكانة اسرائيل الدولية منذ عملية الانفصال، وابقاء تلك المستوطنات في مكانها لم يغير أي شيء من هذه الناحية، لكن شعار "الخروج من غزة" تغلب على كل تفكير أو منطق واعتقد معظم الاسرائيليين أنه من الافضل التنازل وأن الجيش المصري يمكنه البقاء هناك.
لكن الاكثر غرابة هو قرار شارون اقتلاع كديم، صانور، حومش وغنيم في شمال "السامرة". بعد ثلاثة اسابيع ستحل الذكرى العاشرة لهذا العمل غير العقلاني. تم تركيز الانتباه على اقتلاع "غوش قطيف" ونُسيت هذه المستوطنات. ما السبب وراء هذه الخطوة الاستفزازية التي نفذت بعد تدمير المستوطنات في قطاع غزة؟ لأن الجيش بقي في المنطقة ولم ينسحب منها كما انسحب من غوش قطيف. ما الذي كان يمكن تحقيقه من هذا التدمير، باستثناء معاناة الذين عاشوا في تلك المستوطنات؟ قد لا نعرف السبب أبدا، هذا اذا كان يوجد سبب أصلا لهذا العمل الفظيع.
هل هذه الاعمال البائسة لا يمكن اصلاحها؟ هل سنشاهد عودة المستوطنين الى المناطق التي تم اقتلاعهم منها؟ غوش قطيف ستبقى كما يبدو تحت السيطرة الفلسطينية، بهذا الشكل أو ذاك، في المستقبل القريب. الوضع في شمال قطاع غزة كان يمكن تغييره اثناء احدى العمليات الثلاث للجيش الاسرائيلي في المنطقة. كانت عملية "الجرف الصامد" هي آخر هذه العمليات حيث كان يمكن للجيش الاسرائيلي فيها أن يبقي سيطرته على المنطقة التي أقيمت عليها في الماضي دوغيت، ايلي سيناي ونسنيت. وبهذا يمكن الحفاظ على أمن سكان عسقلان ومحيطها. كان باستطاعة المستوطنين العودة الى هناك. فقد كانت هذه فرصة تم تفويتها.
وضع مستوطنات كديم وصانور وحومش وغنيم في شمال الضفة مختلف تماما. فهذه المناطق توجد تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي، وليس هناك سبب يمنع عودة المستوطنين الى منازلهم. هذا سيكون اصلاحا جزئيا لما حدث هناك قبل عشر سنوات. ويجدر التفكير في هذا الامر بشكل جدي.
عن "هآرتس"