من بين المفاهيم والمصطلحات التي تردّدت مؤخراً بين القادة والمسؤولين، بل والمحلّلين السياسيين، في سياق الأزمة الناجمة عن تحوّل الانقسام إلى انفصال فلسطيني، هو مفهوم أو مصطلح «حكومة الظل» وقد استخدم استخداماً ليس في مكانه الذي اصطلح عليه، وتم التعامل معه باعتبار «حكومة الظل» تهمة في أفضل الحالات، وممسكاً على الآخر، في بعض الحالات، وعلى الرغم من توفر العديد من الخبراء في الشأن السياسي، وأكاديميين ومستشارين يحيطون بهؤلاء القادة والزعماء والمسؤولين، إلاّ أن أحداً لم يلفت انتباه هؤلاء إلى أن الاستخدام الخاطئ للمصطلح يؤدي إلى أخطاء ذات أبعاد سياسية غير مرغوبة، ونقول إن أحداً «لم يلفت» حتى لا نشير إلى أن ذلك ربما يعود إلى أن الخبراء والساسة وبعض الأكاديميين، لا يدركون فعلاً ماهية هذا المفهوم وهذا المصطلح!!
وحسب ما درست، ثم درسته لطلابي، فإن هذا المصطلح ذو طابع دلالي على مدى ديمقراطية نظام الحكم، وهو مناط أصلاً بالمعارضة السياسية والحزبية وليس للسلطة التنفيذية القائمة، كما أنه دلالة على «تداول السلطة» ذلك أن حكومة الظل المؤلفة من نظراء من الخبراء والمختصين قبالة وزارات وإدارات السلطة التنفيذية القائمة، تعني أن حكومة الظل، وفي اطار عملية انتخابية قادمة، ربما تتحول إلى حكومة فعلية، وبحيث تصبح الحكومة الفعلية «السابقة» بدورها حكومة ظل، تقود المعارضة.
مهمة أجهزة حكومة الظل هذه، هي ذات مهمات الحكومة القائمة فعلاً، باستثناء أنها لا تملك سلطة تنفيذية ولا تملك أي قرار تمليه على السياسات على اختلاف أشكالها، كل وزارة من وزارات حكومة الظل، تضطلع بمسؤوليات جمع المعلومات وتقصيرات الوزارة الفعلية المناظرة لها، والتقدم بمقترحات وتوصيات إلى أعضاء الحزب المعارض، وتزويده بالمعلومات، تمكنهم من القيام بدور معارضة فعلية وليست شكلية لمجرد المعارضة، من خلال المعلومات والأفكار والمقترحات والبدائل، وباختصار فإن حكومة الظل تقدم منظوراً وبدائل لسياسات الحكومة الفعلية القائمة، ومن خلال النقاشات العلنية في البرلمان ووسائل الإعلام، فإن المعارضة التي تقود حكومة الظل، إنما تفعل ذلك، لكي تكسب المزيد من الجماهيرية، ما يؤهلها للفوز بالحكم وتشكيل حكومتها الفعلية، في انتخابات قادمة، وعلى الأقل هذا هو الهدف الأساسي من وراء تشكيل حكومة الظل هذه، ويمكن القول، إن بعض أنظمة الحكم، توفر في نظامها المالي، دعماً مالياً من ميزانية الدولة، لتمويل حكومة الظل، باعتبارها جزءاً من النظام السياسي، وبطبيعة الحال، ليست جزءاً من الحكومة التنفيذية القائمة!
إن حكومة الظل، هي الشكل الأرقى لرقابة أعمال الحكومة القائمة، في اطار منظم وفاعل ومن خلال خبراء مختصين في كل مجال من مجالات السلطة التنفيذية، وهي تنتقد من أجل الإصلاح، ومن شأن ذلك، أن يفيد الحكومة القائمة بالوقوف على أخطاء ممارساتها والعمل على تلافيها، وفي هذا السياق يمكن القول، إن حكومة الظل بقيادة المعارضة، تشكل بشكل أو بآخر، عوناً للحكومة الفعلية، إذا أرادت، رغماً عن أنف المعارضة التي تقود حكومة الظل!!
إن الهدف المعلن والطبيعي لأي معارضة، هو الوصول للحكم وإزاحة الحكومة القائمة من خلال صندوق الانتخابات تمشياً مع دستور ديمقراطي، لذلك فإن أي معارضة، لا تعلن هذه الأهداف صراحة، عوضاً عن العمل للوصول إليها هي «معارضة» وهمية، أو على الأقل ليست معارضة سياسية. مثل هذه «المعارضة» التي ربما تخجل، أو لا تجرؤ، أو تترفع عن الإعلان عن هذا الهدف، الذي يجب اعتباره هدفاً سامياً ومشروعاً وديمقراطياً، لا يمكن أن يطلق عليها مصطلح معارضة في الإطار السياسي.
هذه رؤيتنا السياسية شبه الأكاديمية لمصطلح المعارضة وحكومة الظل، ومما تبين، فإن الأمر لا ينطبق على النظام السياسي الفلسطيني، وإذا كان مقبولاً أن نطلق عليه «نظاما» فليس من المقبول أن نتجاهل كونه نظاماً هجيناً بالمعنى السياسي، ينطلق من الواقع الناجم عن حالة الاحتلال من جانب والمقاومة والصراع مع العدو من جانب آخر، ينطبق ذلك على من هم في سدة الحكم أو في جانب «المعارضة» وهذا لا يعني تبريراً لما هو قائم، بل إن ذلك كله لا يجب أن يوفر أسباباً لاستمرار نظامنا السياسي على ما هو عليه.
وقد استخدمت القيادة الفلسطينية، الرئيس وبعض قيادات حركة فتح، وعدد من المحللين السياسيين، مصطلح «حكومة ظل» للإشارة إلى حكومة حماس في غزة، وهذا خطأ، فحكومة حماس في غزة، حكومة فاعلة قوية تمسك بزمام الأمور، وتسيطر سيطرة مطلقة على كل مجالات الحياة حيث تحكم، وسأرتكب ذات الخطأ، وأشير بشيء من «البراءة» إلى أن حكومة الوفاق الوطني، الحكومة في الضفة الغربية، هي «حكومة ظل» باعتبارها «تعارض» الحكومة الفعلية في قطاع غزة.. ولكن ليتها كانت كذلك فحسب؟!