القدس والأغوار الشمالية تهويد متسارع أمام صمت عالمي

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

تكثّفت في الأسابيع الأخيرة عمليات التهويد بشكل ممنهج في القدس، وخاصةً في مناطق حساسة مثل البلدة القديمة ومنطقة سلوان القريبة من المسجد الأقصى، بحيث أخذت عمليات التهويد تجه إلى إقامة أحياء استيطانية داخل التجمعات الفلسطينية داخل جدار الفصل العنصري، بشكل يهدف أساساً إلى انهيار الكتلة الفلسطينية المتماسكة في القدس المحتلة، وتحويل الأحياء المقدسية إلى مجموعة من الجزر المعزولة المهددة دائماً، وزيادة الضغط على المقدسيين من أجل الهجرة إلى خارج أسوار القدس ثم أبعد من ذلك إلى الأحياء المكتظة والعشوائية خارج جدار الفصل العنصري المحيطة بالمدينة المقدسة.
مخطط التهويد المتسارع تشارك فيه أضلاع ثلاثة من أجل تحقيق أهداف إستراتيجية طويلة المدى تسعى لإحداث تغيير حقيقي في ديمغرافية القدس، وتمكين عملية التهويد وترسيخها بعد أن أصبحت على رؤوس الأشهاد دون أن تكون هناك أي اعتراضات إقليمية أو دولية ذات قيمة إلى درجة أن بيانات الاستنكار أو الإدانة لم تعد مطروحة كما كان سابقاً، فالمؤسسات الدولية والأممية أصبحت محكومة إلى نظام عالمي جديد تقوده الترامبية والشعبوية التي تنتشر بسرعة في كثير من مناطق العالم.
الضلع الأول لمثلث التهويد في القدس يتمثل بالحكومة الإسرائيلية، المشكّلة من أحزاب يمينية عنصرية، يسيطر عليها حاخامات المستوطنين، وبالتالي تقدم مختلف أنواع الدعم الممكنة للاستيطان، وعلى رأسها الدعم المالي، والمراقب يلاحظ أن هناك تنافساً بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية على تقديم مساعدات أكبر للاستيطان والمستوطنين للحصول على رضاهم. 
مما لا شك فيه أن بنيامين نتنياهو في ظل قضايا الفساد التي تلاحقه لا يرى في المستوطنين سوى طوق النجاة، بحيث أصبحت لهم الكلمة العليا في حكومته.
الضلع الثاني، هو القضاء الإسرائيلي، الذي حدثت فيه تحولات كبيرة خلال العقد الماضي، فهو كالمجتمع الإسرائيلي تحوّل بشكل ملحوظ نحو اليمين، وأصبحت جميع القرارات الصادرة عنه، وخاصة المحكمة العليا الإسرائيلية في صالح المستوطنين. وأكبر دليل على ذلك قضية بطن الهوى في سلوان التي أعطت "العليا الإسرائيلية" فيها الضوء الأخضر لحكومة الاحتلال والمستوطنين لتهجير عشرات العائلات الفلسطينية قسراً عن منازلها والاستيلاء عليها بمبررات غاية في الغرابة.
المراقبون يلاحظون أن القرارات الصادرة خلال الأشهر الأخيرة على الأقل هي في صالح المستوطنين ابتداء من قضية الخان الأحمر وليس انتهاءً بهدم مدارس التحدي في المناطق المهمّشة والواقعة في المناطق المصنّفة (ج) التي ترغب سلطات الاحتلال بإخلائها عاجلاً من الوجود الفلسطيني الضعيف فيها.
الضلع الثالث، هو السلطة التشريعية ممثلة بالكنيست الإسرائيلي الذي يتسابق فيها نواب اليمين على طرح مشاريع قوانين تصب كلها في منهج التهويد والعنصرية.
التشريعات الإسرائيلية العنصرية أظهرت خلال الأشهر الماضية أن الكنيست فاعل أساسي في عملية التهويد، التي وصلت إلى أروقة المسجد الأقصى على الرغم من كل التحذيرات والضغوط التي يحاول البعض ممارستها على سلطات الاحتلال.
تهويد القدس اليوم أصبح واضح المعالم ابتداءً من السيطرة شبه الكاملة على البلدة القديمة وما تحت البلدة القديمة بما فيها منطقة الحرم القدسي، والتقاسم الزماني والمكاني، ثم السيطرة المتدرّجة على منطقة سلوان.. حتى لو تمثل ذلك بالطرد والتهجير الجماعي، وتوسيع المستوطنات في القدس وعلى رأسها مستوطنة "معاليه أدوميم"، والتجمعات الاستيطانية المجاورة له، ليستكمل مخطط التهويد بالاستيلاء شبه الكامل على منطقة الشيخ جرّاح، وشمال شعفاط، ليصل بعدها إلى منطقة الخان الأحمر، ومنطقة الولجة وبيت جالا لإقامة "القدس الكبرى" اليهودية. أما منطقة الأغوار الشمالية فإنها، أيضاً، باتت في قلب عاصفة التهويد.
عملية التهويد في الأغوار تتم من خلال أسلوبين: الأول، عسكري، من خلال الطرد الجماعي للسكان وخاصة رعاة الأغنام من الخِرَبْ والقرى الصغيرة ومضارب البدو بحجة التدريبات العسكرية، وإقامة المعسكرات التي تتحول بعد فترة إلى بؤر استيطانية ثم إلى مستوطنات.
قوات الاحتلال تتعمّد منع قاطني التجمعات البدوية التي تهدم من العودة إلى مناطق إقامتهم، وتدمير الحقول الزراعية بعد أن تكلف المزارعين مبالغ كبيرة في حراثتها وزراعتها. والهدف إجبار المزارعين أمام الخسائر المتلاحقة على التوقف عن زراعة هذه الأراضي وبالتالي هجرها.
الأسلوب الثاني يتمثل في اعتداءات المستوطنين والاستيلاء على مساحات إضافية من الأراضي وضمها إلى المستوطنات هناك، والمخطط الأكبر هو ضم جميع هذه المستوطنات لتشكل مدينة استيطانية كبيرة أو تجمع استيطاني ممتد يستولي عملياً على جميع الخِرَبْ والمضارب والقرى الصغيرة ابتداءً من غرب طوباس وحتى نهر الأردن.
مخطط التهويد متسارع، ونحن ما زلنا نتقاتل لنعرف من هو سبب عدم إكمال المصالحة، ومن هي الجهة التي تصرّ على الانقسام.. وفي سبيل ذلك نواصل الحرب الإعلامية الداخلية، مبتعدين أكثر عن الكارثة التي تلحق بالقدس والأغوار.