بين كل فترة وأخرى، يخرج رئيس السلطة الفلسطينية أو رئيس حكومته، بإحصائية ذات منطق عجيب، يتعلق بحجم "الصرف على غزة" خلال عدد من السنين. ومثل هذا المنطق، ينم عن ضآلة فادحة على أكثر من صعيد: ثقافة الدولة، قيمة معنى الوطن والوحدة التمامية لأراضيه، ووحدة ناس الوطن والمساواة بينهم، والضآلة أيضاً في تعريف المال وتعيين وظيفته.
رامي الحمد الله يتحدث كأنما المال ماله ومال رئيس السلطة، وليس الرجلين عبئاً عليه وعلى القانون. يُقدم إحصائية، على فرض أنها صحيحة وواجبة عن مال أنفقته خزينة الشعب الفلسطيني، ولا يقدم لنا إحصائية، تتعلق بالمال الذي صرفته الخزينة لتغطية بحبوحته وبحبوحة السيد الرئيس، أو إحصائية لما بذلته غزة من مال سكانها، عبر المقاصة والرسوم المتنوعة، رغم أن هاتين إحصائيتين ضرورتين، بحكم لزوم وضرورة إنفاذ تدابير التقشف والرشد في إنفاق المال العام!
لا يعلم الحمد الله، بالطبع، أن المال الشخصي نفسه، محكوم في تعريفه ووظائفة، بمحددات قرآنية، أولها وجذرها التهذيبي أن المال الخاص نفسه، هو مال الله، لقوله تعالى:"وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" حسب ما جاء في سورة "النور". وأن الإنسان مُستَخلفٌ حتى في ماله الخاص لقوله تعالى "وأنفقوا مما جعلكم مُستَخلفين فيه" كما جاء في سورة "الحديد". ونهى رب العالمين عن كنز المال مثلما يكنزه أولاد هؤلاء الذين يحكمون، لقولة تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" حسب سورة "التوبة"، وأن رب العزة، أمر بتحريك المال في دائرة المجتمع بحيث لا يقتصر تداوله على الميسورين، لقوله تعالى:"كي لا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم" كما جاء في سورة "الحَشر".
إن كانت هذه هي وصفة تهذيب المال الخاص، فيكف يبلغ الشطط بالممسكين بالمال العام، درجة التمنن على الناس أصحاب المال، وعلى من يأخذون حقوقهم؟!
نعلم أن هؤلاء لا علاقة لهم بسورة "النور" ولا بسورة "الحشر" ولا يتفكرون في سورة "التوبة" ولا يعلموا أنهم يستحقون سورة "الحديد".
أي صرف يا هذا الذي تتحدث عنه؟ ومن أي مال جاء ومن هو صاحبه يا سيد الصرف؟ وهل الصرف يشبه ما رأيته في المنام، أن جامعة "النجاح" صرفت على جامعة مقديشو في الصومال فاستحقت هي ورئيسها ــ أي حضرتك ــ الثناء على تفضلكم بإعانتها؟ ولماذا لا تقول شيئاً عن لمال الذي صرفته على نفسك، أنت والسيد الرئيس، من وظائف مقربين وأكلاف معيشة وسيارات وطائرات ووقود وسفريات ونثريات وعمولات وغير ذلك كثير؟ وإن كنت حضرتك بهذا السخاء، يا صارف المليارات منذ العام 2007 فمن أين جاء بؤس الناس وجوعها في غزة؟ وكيف تشترك ثلاث قرى في الضفة ببئر مياه واحدة، وتعيش بلا أمل في التنمية، إن كنت سخياً الى هذا الحد؟ ولماذا لا تقدم لنا، مثلما يعرض المتحضرون، كشوفاً بالداخل والخارج، الإنفاق والإيرادات، لنعلم كم تبقى لك في ذمة غزة أيها السخيْ؟ لماذا لم تقل لنا ماذا عن عقد الغاز في ساحل غزة، أيها الفطن؟ ولماذا تستمرون في هذه اللعبة السمجة؟!
مدركون نحن، أنكم تدفعون عن أنفسكم التهمة الشائنة التي تصارحون الشعب الفلسطيني باقترافها وتدينون أنفسكم، وهي أنكم تعاقبون غزة وتتوعدونها بالمزيد من العقوبات على ذنوب لم تقترفها. فماأغبى الإستخفاف بعقول الناس، ومحاولة تمرير أخاديع ساذجة لا تنطلي على الأطفال!
