نتنياهو وخطة (الياء) + 1973

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

بعد زيارته سلطنة عُمان، نهاية شهر تشرين أول (أكتوبر) 2018، استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، رئيس تشاد، إدريس دِبي، يوم الأحد الفائت، 25 تشرين ثاني (نوفمبر)، وأعلن بنيامين نتنياهو أنه يسعى لعلاقات دبلوماسية وزيارات قريبة لدول عربية أخرى. هو عمليا لا يسعى لقلب مبادرة السلام العربية لتبدأ من التطبيع ثم الحل، بل يريد تطبيعا مقابل أمور لا علاقة لها بفلسطين. كذلك يعلن الإسرائيليون أنّ مساعيهم في إفريقيا تتجه للعودة إلى وضع ما قبل العام 1973، عندما قاطعت دول إفريقية إسرائيل بفعل قوة موقف الدول العربية في حرب تشرين (أكتوبر) في ذلك العام.
قطعت تشاد، وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، علاقاتها مع إسرائيل العام 1972، ثم تلتها دول أخرى بعد  حرب العام 1973. ويعتقد أن الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي لعب دورا في حفز تشاد على هذا الموقف، وأنّ الحظر النفطي العربي بمرافقة حرب سورية ومصر ضد الاحتلال الإسرائيلي أسهم في المواقف الإفريقية. 
عقب ذلك صعد الفلسطينيون دبلوماسيا ودوليا، بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطيني، في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، العام 1974، كما أصبحت عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي. وبعد اتفاقيات أوسلو 1993، فتحت إسرائيل علاقات مع دول عربية ومع الصين والهند والفاتيكان وتطورت علاقاتها التجارية والاقتصادية بشكل هائل بعد أن أقام الفلسطينيون والعرب أنفسهم علاقات مع الإسرائيليين. ولولا عنجهية نتنياهو ورعايته فتح نفق تحت المسجد الأقصى عام 1996، لاستمرت مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي حينها.
الآن اعترفت الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة إسرائيلية، ونقلت سفارتها، مما أبطـأ مسيرة التطبيع الإسرائيلي- العربي قليلاً، ولكن خطة نتنياهو، مستمرة، وقوامها ثلاثة أركان، تنفذ كما يلي:
أولا، رفض فكرة الصفقة النهائية التي خطرت ببال الرئيس الأميركي، لصالح خطوات أحادية في القدس والمستوطنات، ولصالح تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية وإغاثة ومساعدات ووظائف ورواتب. فهذا ما يحدث في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية أيضاً. بل تعتبر عملية التحويل هذه بوابة للتطبيع، مع دول عربية تتوسط في هذا الأمر، وتسهم فيه. وبالتالي يتم تحييد القطاع وسلاح المقاومة فيه. وفي الضفة فإنّ الحديث مثلا عن قانون الضمان الاجتماعي، والاستقرار الذي يتطلبه، يعني أن الكيانات الحالية باقية، وفكرة المواجهة غير واردة حقا.         
ثانيا، التطبيع مع الدول العربية بحجة المساعدة في مواجهة إيران في منطقة الخليج العربي، وبحجة توفير الغاز، وخبرات الزراعة، وأنظمة الحاسوب المهمة جدا للرقابة على المواطنين والإرهابيين، واتصالاتهم، وكل ذلك يمساعدة أميركية رسمية، ومساعدة مراكز أبحاث وسياسيين وشركات علاقات عامة أميركية وأوروبية. ولا مانع من ادعاء تأييد الأكراد ضد العرب، والسنة ضد الشيعة، وغير ذلك من ادعاءات. وكل هذا بعيداً عن شروط مبادرة السلام العربية؛ حل القضية الفلسطينية قبل التطبيع. فالبعض يقول إن إسرائيل تعرض التطبيق من ياء إلى ألف، أي تطبيع ثم حل، والواقع أنّه لا يوجد وعد اسرائيلي، بأي حل. (أي يريد نتنياهو الياء ويتجاهل الألف).
ثالثا، الدخول لإفريقيا ثانية، فقد زار نتنياهو، وبعد عشرات السنوات من انقطاع زيارات رسمية إسرائيلية، لإفريقيا كلاً من كينيا، وأوغندا، وأثيوبيا، وراوندا، عام 2016. وفي شهر تموز (يوليو) 2016 أعلن استئناف علاقات غانا وإسرائيل، بعد قطعها عام 1967، ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عن تشاد. وفي تموز (يوليو) 2017 شارك نتنياهو في سابقة تاريخية، بقمة "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، وتضم 14 دولة، مع وعود بتقديم دعم سياسي وأمني وتكنولوجي. 
ألغيت قمة إسرائيلية إفريقية كانت مقررة في تشرين أول (أكتوبر) 2017، وكانت المساعي الإسرائيلية أن تضم ممثلي 54 دولة، ويعتقد أن الجهود الفلسطينية والعربية وبدعم من جنوب إفريقيا، ساهمت في إلغاء القمة. ولكن إذا كانت الزيارات والعلاقات العربية الإسرائيلية ستتقدم فإن مهمة إقناع غير العرب بعدم التطبيع، تبدو صعبة، ناهيك عن مسألة الضغط وتقليص العلاقات بغرض إنهاء الاحتلال. 
أي أوهام أن التطبيع والعلاقات مع إسرائيل قد تحل القضية الفلسطينية، أمر خطير، في ضوء السجل الإسرائيلي بعدم الالتزام بالاتفاقات الموقّعة، ناهيك عن غير الموقع.

عن الغد الأردنية