عن أوضاعنا الراهنة

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

في لقاء مصغر مع شخصية مطلعة، طلبنا منه تقييم الوضع الراهن، والإجابة عن سؤالنا المقلق: إلى أين نحن ذاهبون؟ في إجابته تحدث باستفاضة عن أمور، وباختصار عن أمور أخرى، ومما جاء من أقواله:
القلق الذي يحمله سؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟ قلق مشروع، وهو ليس مقتصرا على الفلسطينيين، بل إن العالم بأسره يعتريه هذا القلق، ولكن، لكل بلد أسبابه الموضوعية والمختلفة، إلا أن الوضع العام على مستوى العالم، وتحديدا على مستوى الإقليم له أسبابه الحقيقية والكثيرة التي تبرر هذا القلق.. لاسيما وأن النظام الدولي الحالي آخذ بالتشكل (أو بتعميق وتعزيز سماته القديمة)، على نحو يسحق فيه الضعفاء، ومع ذلك، مستقبل هذا النظام غير واضح، ومربك، لدرجة يصعب التنبؤ بشكله النهائي.
بخصوص ما يسمى "صفقة العصر"؛ فإن أميركا لن تطرحها في المدى المنظور، فبسبب الرفض الفلسطيني القوي، والذي فاجأ أميركا، وإضافة إلى موقف الدول العربية المتردد، فإن ما يمنع أميركا من طرحها خوفها من رفض إسرائيل نفسها، فرغم أن صفقة القرن منحازة لمصلحة إسرائيل بنسبة 90%؛ إلا أن نتنياهو يريدها بنسبة 100%، أي إنه لا يريد تقديم أي تنازلات، مهما كانت صغيرة، ودافعه في ذلك خوفه من انهيار حكومته. ما يعني أن الأفق السياسي سيظل مغلقا لأمد غير معلوم.
وفيما يتعلق بمواقف بعض الدول العربية المتهافت إزاء التطبيع، أشار إلى مبالغة في الحديث عن هذا الموضوع، مع إشادة بموقف الكويت الوطني، التي ما زالت متمسكة بمبادئها العروبية.. أما اللقاءات الثنائية واستضافة شخصيات وفرق إسرائيلية فلن تصل إلى مستوى التطبيع الكامل، والاعتراف الرسمي، مع تأكيد بأن إسرائيل فشلت في اختراق الموقف العربي، وإقامة علاقات كاملة معها، رغم ما تشيعه وتدعيه عن نجاحات هنا وهناك.. وما يحد من تهافت الدول العربية ويكبلها، خوفها من جماهيرها، خاصة وأن الإدارة الأميركية لا تعامل هذه الدول (حتى أقرب حلفائها) بشكل محترم، بل إنها تتعمد إهانتها وإحراجها. وهذا يُضعف قدرات هذه الدول في الضغط على الفلسطينيين.
موقف عُمان، واستقبال نتنياهو، لم يكن مفاجئا؛ فقد سبق للسلطان قابوس أن التقى رابين في بداية التسعينيات، كما زار وزير الخارجية العماني إسرائيل عدة مرات، والسلطنة ترغب بلعب دور الوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي. وهذا ينسجم مع الدور الخفي والمثير الذي تلعبه منذ زمن؛ فمثلا بينما تقاطع دول الخليج إيران، تنفرد عُمان بعلاقات طيبة معها، وحتى أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع الحوثيين، كما لعبت دور الوسيط في الأزمة الخليجية مع قطر. 
وفيما يتعلق بمستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وما يشار من تكهنات وتخوفات عن الوضع في المستقبل، أكد على أن هذه التخوفات تنطوي على قدر من المبالغة والتهويل، فغياب "ياسر عرفات" كان أخطر وأهم، ومع ذلك، نجح الفلسطينيون بتداول السلطة بشكل سلمي وسلس، وما يطمئن هو وجود مجلس وطني، ومجلس مركزي أخذ ينشط في الآونة الأخيرة، وبوسع هذين المجلسين ترتيب الأمور لحين إجراء انتخابات عامة، شريطة ألا تستغل بعض الأطراف الظرف، وتبدأ بإثارة فتن وقلاقل أمنية.. ولكن، ما يبعث على القلق أن الأداء الفلسطيني الرسمي ضعيف.. وأن هنالك الكثير من القضايا السلبية سببها سوء الأداء الفلسطيني، بمعنى أن الاحتلال ليس مسؤولا عن جميع مشاكلنا، رغم دوره المعيق.
مما يستنتج من كلام الشخصية المطلعة أن الوضع العام صعب ومعقد، وأن القضية الفلسطينية تمر بأزمة غير مسبوقة، وصارت أبعد عن أي حل عادل، والسبب في ذلك، التغيرات العميقة في الخارطة السياسية الإقليمية والدولية، والتي من أهم عناوينها تنامي معسكر اليمين الصهيوني في إسرائيل، وتنامي اليمين الديني والقومي في أميركا، وتعاظم دور المسيحية الصهيونية، والتي تشكل دعامة مهمة في سياسات ترامب، وانحيازه الأعمى لإسرائيل، وهذا يترافق أيضا مع تنامي اليمين الشعبوي في عموم أوروبا.
من جانب آخر، ثمة بوادر ومؤشرات على أزمة اقتصادية كبيرة ستضرب أميركا قريبا، ربما تفوق تداعيتها الأزمة التي حصلت في العام 2008. وهذا سيؤثر على مكانة أميركا في النظام الدولي، لاسيما وأنها اتخذت الكثير من الخطوات والتدابير التي ساهمت في عزلها عن المنظومة العالمية، مثل انسحاباتها المتكررة من أكثر من منظمة دولية، إضافة إلى توتر علاقاتها مع الكثير من البلدان، بسبب الصلف الذي يبديه ترامب في تعامله الفوقي مع الدول، والذي ديدنه ومعياره الوحيد الاقتصاد والمال، خلافا للإدارات السابقة التي كانت تروج لشعارات سياسية وأيديولوجية، مثل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. 
هذا الوضع، رغم مساوئه وصعوباته، وحجم التحديات المفروضة، والمخاطر المحدقة؛ إلا أن هنالك ما يدعو للتفاؤل؛ أو على الأقل لعدم الإفراط في التخوف والقلق. 
فلو نظرنا لمجمل التاريخ الفلسطيني سنجد أن هذا الوضع ليس بالجديد؛ فقد سبق للفلسطينيين أن واجهوا ظروفا أصعب، ومروا بمراحل أخطر، وكان الناس في كل مرحلة يعتقدون أنها المرحلة الأشد خطرا، وأن النهاية باتت وشيكة.. ومع ذلك، تبين أنها كانت مجرد تخوفات وقلق مشروع.. لكن الفلسطينيين تجاوزوها، ورغم أنها كانت تترك آثارا سلبية، إلا أنه من جهة مقابلة كانت تبنى تراكمات نضالية، تعدل ولو قليلا من السلبيات.
ربما كانت النكبة هي المرحلة الأخطر، والتي فعلا كان يتهدد الفلسطينيين فيها خطر وجودي بكل معنى الكلمة، كما مثلت هزيمة حزيران مرحلة أخرى بالغة الخطورة، وكذلك في أحداث أيلول المؤسفة، وفي فترة الحرب الأهلية اللبنانية، ومرحلة الخروج من بيروت، وتشتت القوات الفلسطينية، وما تلاها من حصار عربي ودولي خانق على منظمة التحرير.. وحتى مرحلة الاجتياحات الإسرائيلية لمدن الضفة الغربية وحصار ياسر عرفات في المقاطعة.. كلها مراحل خطيرة، ودائما كان يعترينا نفس القلق.
غدا، يصادف "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني".. علينا أن نؤمن بعدالة قضيتنا، وبقدراتنا، وطاقات شعبنا الخلاقة، وأنّ أحرار العالم معنا.. وأن ندرك أن صراعنا طويل وممتد.. وبالصمود والإستراتيجية الذكية نصنع قدرنا.. ونصنع نصرنا.