المصالحة والتقويض

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

هناك من بين أنواع الرأي العام، ما يُسمى الرأي العام التحصيلي، الذي يستخلص النتائج من خلال متابعة كل عملية مزعومة، لتحسين أحواله وأحوال قضاياه، كما هو الأمر بالنسبة لعملية التوصل الى المصالحة بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحماس في غزة. فقد لوحظت اللا مبالاة الشعبية، حيال السفريات الأخيرة لوفود الطرفين الى القاهرة، تحت عنوان التوصل الى مصالحة، إذ أدرك الناس أن هذين الطرفين لن ينفذا أي إتفاق، وبالتالي لم يعد الشعب الفلسطيني ينتظر منهما شيئاً ما خلا التدابير التي من شأنها إبقاء كلٍ من سلطتي الأمر الواقع على حالها من العناد والتفرد وتجاهل الوثيقة الدستورية، ومن الافتقار لأية رؤية للإجابة عن السؤال القديم الجديد: ما العمل؟!.

الكلام كله، والجولات كلها، استهلاك للوقت بهدف إطالة أمد المحنة الفلسطينية الداخلية بذريعة صراع الإرادات على مستوى من يأخذ ماذا من السلطة المحاصرة والمجوفة من حيثياتها الدستورية. فهما طرفان لا يتسابقان على عملية بناء كيان وطني رصين،  وكل منهما يزعم لنفسه الجدارة والأحقية، والإمساك بناصية الرُشد والصواب!

في هذا الخضم، يكون كل شيء  مفترضاً ومؤقتاً ومعلقاً بشيء آخر. فعندما يتأكد عزام الأحمد ــ مثلاً ــ من فشله الذريع، تراه يداري عطالته المقنّعة، لكي يزعم أنه يشتغل وينتج، فيخترع لفظياً لجنة لتعيين الخطوات التي ستؤدي الى تقويض سلطة حماس في غزة. يقول ذلك لوسيلة إعلام تتوهم أنها نقلت خبراً مهماً بلسان قائد يقرر وينفذ وله في ميادين الوغى صولات وجولات. بعدئذ ينتظر بعض السذج، من الرأي العام الخامل، ظهور هذه اللجنة، وتتواصل مهمات سفر عزام، ولا ينقطع خط الدراهم لتغطيته،  لأن الأحمد يجب أن يتشاور مع جهات إقليمية حول كيفية عمل اللجنة أو يدافع عن الخطة، أمام من يعترض على بعض بنودها. كل ذلك بينما الموضوع كله أكذوبة، لإطالة أمد حكم بلا مرجعيات، وإن حاول استعارة مرجعية لنفسه، سرعان ما يُظهر احتقاره لها، واستعلاءه عليها بحكم كونها صنيعته!  

وباعتبار أن كل شيء مؤقت، ولا يعرف الناس ما الذي سيجري بعد انتهاء أجله، فإن دولارات الحقائب القطرية، لسداد رواتب موظفي حماس، تُنقل  بطريقة مثيرة ولها صفة المؤقت. وهي أصلاً علاج مؤقت، سقفه الزمني ستة أشهر، يُصرف فيها تسعون مليوناً على ست دفعات، بالتالي فإن الموظف الحمساوي مؤقت، ولا يُعرف وضعه ومصيره بعد انتهاء الدفعات المقررة خلال ستة أشهر!

الأمور تتداعى من حول سلطتي الأمر الواقع. وبكل أسف، تستمد كلٌ منهما عناصر عنادها من نفسها ومن خيبة مشروعها في صيغته الأولى. وطالما أن السلطتين بلا تفويض شعبي، فإن كل ما ينطقان به لا يستحق الإصغاء، لأن أول ما يمنح حاملي أختام القضايا والتمثيل الشعبي، مشروعيتهم، هو التفويض الشعبي الذي يمكتهم من تأدية واجباتهم باقتدار. ويكفي أن الإحتلال نفسه، يتعمد تعيير السلطة وحماس، بين الحين والآخر، بتجاوزاتهم في حق شعبهم!

عزام الأحمد، ينتظر "اللجنة" التي ستخرج بخطة تقويض سلطة حماس. ولا تعلم إن كانت الخطة تحتاج الى معاونين في غزة للمساعدة، وما إذا كانت ستجدهم جاهزين هم وأسرهم المحرومة من خبزها ومن جمهور المقطوعة رواتبهم، أم إن لدى رام الله القدرة على التكفل بمهمة التقويض التدريجي لسلطة حماس، في غضون عشر سنوات مثلاً، تتخللها بعد كل خطوة إسرائيلية لتقويض القضية الفلسطينية، خطوة مضادة من سلطة رام الله لتقويض سلطة حماس؟!