بعد أن استقرت المصالحة على الفشل..

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

إتضح للمرة الألف وأكثر، أن سلطتي رام الله وغزة، لن تتفذا اتفاق مصالحة، مهما حاول الوسطاء. وحيال هكذا نتيجة، بات الفلسطينيون أمام كارثة تاريخية امتد عمرها لأكثر من عشر سنوات، ولن تصل الى نهايتها طالما ظل المجتمع الفلسطيني سلبياً لا يطرح خياره الذي لا يخدم عباس أو حماس أو أية فئة أخرى. فإن لم يبدأ مثل هذا الحراك للخروج من المأزق، سيواجه الفلسطينيون أوضاعاً أشد خطورة مما مر حتى الآن، تنذر باندثار القضية وبتمزق النسيج الاجتماعي تماماً، وبابتلاع الضفة بعد القدس، وبانفجار اجتماعي في غزة.  

لا بد من البدء في عمل نخبوي بمنهج جديد يتجاوز الفصائلية، ويعيد الكُرة الى المجتمع في المدينة والمخيم والريف. فالممسكون بمقاليد أمورنا ضلوا الطريق وأدمنوا الضلال مع البحبوحة، وأصبحت المخاطر تتهدد وجودنا على أرض وطننا ومستقبل أبنائنا!

 لم تعد هناك أسئلة يمكن أن يطرحها أحد على عباس أو حماس. وليست هناك أجوبة عن أي سؤال في حوزة الفصائل الأخرى. إن طرفي الخصومة على قناعة باستحالة تحقيق الوئام، وكلٌ منهما يحمّل المسؤولية للطرف الآخر، والفلسطينيون من جانبهم غير قادرين على انتظار مصالحة لن تأتي. لقد استقرت الخصومة وتمأسست على فساد وإقصاء، باعتبارها واقعاً يلائم إسرائيل وعباس وحماس. فإن لم تكن هناك رؤية جديدة، سيظل الفلسطينيون معلقين في الهواء، وقضيتهم تتحول الى قضايا نكبات صغرى، وينظر المحبطون الى السراب الذي يحسبه الظمآن ماء!

لم يعد أمام النُخب الفلسطينية الاجتماعية والسياسية، إلا أن تبادر الى الالتفاف حول نفسها، لكي تبلور رؤية جديدة، تتجاوز سلطتي عباس وحماس، ولن تكون هذه الرؤية رصينة وقابلة للتطبيق، ما لم يجتمع الوطنيون لصياغتها واعتمادها والعمل بهديها. فالكيان الوطني الفلسطيني مختطف الآن، من قبل جماعتين تختلفان على كل شيء، لكنهما تتفقان على إبقاء الحال الفلسطينية المزرية على ما هي عليه، ولا تستشعران الخطر السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الشعب الفلسطيني قاطبةً!

تتعدد الأساليب والآليات لبدء حرك اجتماعي شامل. لقد أفلست قيادات الفصائل وخيّبت أمال منتسبيها وقواعدها ولم يعد في حوزتها شيء تقدمه لإعادة الزخم للحركة الوطنية الفلسطينية، ولا هي  قادرة على استقطاب شباب من الأجيال الصاعدة، بينما يزداد الشعب الفلسطيني شباباً وحماسة وقناعة بأهداف حركة التحرر الوطني.

لا يزعم أحد،  أن لديه مبادرة فردية، أو أن لديه وحده صيغة شافية للخروج من المأزق. لكن الجميع متفق على أن المتنفذين على جانبي الخصومة أصبحوا مصدر أذى. وهنا يتوجب التنويه الى أن سلطة رام الله، وعباس على رأسها،  ليست هي فتح ولا قواعدها الشعبية، بل إن أكثر من يعارضونها ويتحسسون مخاطر سلوكها هم الفتحاويون. كذلك فإن سلطة حماس بعد أكثر من عشر سنوات في الحكم لم تعد تمثل القواعد الشعبية التي انتخبتها في يناير 2006 بل إن الأتقى دينياً من الفلسطينيين الذين انتخبوها، باتوا يعارضون سلوكها في الحكم، لخروجه المشهود عن أحكام الشريعة ومحددات العدالة والنزاهة. بالتالي فإن المجموعتين ليستا قدراً مكتوباً على الشعب الفلسطيني. ولا القيادات التي تفرض نفسها راهناً، هي من الأقدار المقدَّرة على الحركات والفصائل.

لقد استقرت المصالحة على الفشل الذي أراده  الطرفان رغم كل إدعائمها بغير ذلك. لذا، لا بد من حراك وطني شعبي، كلما اتسعت دائرته ازداد احترام الأشقاء والوسطاء له، وازدادت تأثيراته، لا سيما وأن العالم كله بات على قناعة بأن خروج الفلسطينيين من المأزق، لن يكون بأيدي عباس وحماس!