تفادي خيار الحرب على غزة الخيار الإستراتيجي

2b56b545609376410308f49b3f305dad.jpg
حجم الخط

 

استاذ علوم سياسية-غزة

إنتهت جولة التصعيد الأخيرة على غزة، والتي كانت الأكثر ضراوة وشدة مقارنة بالجولات السبع، السابقة لسببين رئيسيين: الأول عدم رغبة إسرائيل و«حماس» بالدخول في حرب شاملة، والثاني بفضل الدور المصري الضاغط هذه المرة بقوة.

لكن هذا التوقف والذي سيلحقه إتفاق تهدئة لا يعني أن الحرب باتت بعيدة، بل إن المواجهة الأخيرة خلقت دافعاً قوياً ومقلقا بأن الجولة القادمة ستكون الحرب مباشرة، ولن يمهد لها بجولة تصعيد جديدة، بمعنى أن تكتيك التصعيد لم يعد قائما وخصوصا من جانب إسرائيل.

وهنا تكمن الخطورة.

والسؤال المهم الذي ينبغي أن تسعى للاجابة عليه كل الأطراف المباشرة والدول ذات الصلة: كيف يمكن تجنب الحرب؟ هذا السؤال مطروح الآن على أجندتي «حماس» وإسرائيل والدول الإقليمية والدولية المعنية. والسؤال بصيغة أخرى أي من الخيارات يمكن أن يجنبنا خيار الحرب؟

الإجابة على السؤال تعني تحولا دراماتيكيا في علاقة إسرائيل بحماس، فأساس العلاقة ومنذ سيطرة «حماس» على غزة تحكمها الحرب بدليل ثلاث حروب في ست سنوات في حالة غير مسبوقة، من 2008 إلى2014 . وكانت الحرب الرابعه على أبواب التصعيد الأخير، ويبدو أن الهدف والقاسم المشترك لهذه الحروب واضح، إسرائيل تريد أمنا وهدوءاً في غزة بإعتبارها منطقة أمن أولى لا يمكن أن تسقط من حساباتها الأمنية، فأي تطور في قدرات المقاومة يشكل تهديدا، وهذا دافع قوي للحرب، وحماس تريد رفع الحصار والعقوبات، وبدونها خيار الحرب هو الأقرب، لأن الحرب يمكن ان تبقي حماس قوية بدل الإستمرار في الحصار الذي قد يفقدها شعبيتها، وإحتمال مواجهات وإحتجاجات داخلية، فالمفاضلة هنا واضحة، هناك مصلحة لإسرائيل في بقاء حماس قوية بدون تهديد امني، ومصلحة لحماس في تهدئه تحفظ لها بقائها وقوتها.

إشكالية إسرائيل الكبرى في العلاقه مع «حماس» ان البديل لحماس هو «حماس» أيضا، والبديل الاخر الفوضى وإنتشار الجماعات المتشددة، وبالتالي وضع إسرائيل امام خيارات الإحتلال الكامل والعودة لإدارة غزة، وهذا مستبعد تماما، ويتعارض مع أولوياتها الإستراتيجية العليا.

لجأت حماس لكل الخيارات لرفع الحصار، خيار الحرب، وخيار اللجوء لتشكيل حكومة توافق تتحمل مسؤولية مباشرة عن مشاكل غزة دون المساس بهيكلية وبنية حماس، وأخيرا وهو الخيار الأكثر فعالية مسيرات العودة بما صاحبها من مواجهات وسقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، لكن ينبغي الوقوف عند نقطة مهمة على الرغم من أهمية خيار المسيرات إلا أنها لم ترفع الحصار بل تحولت لآداة قوية للتصعيد والتمهيد لخيار الحرب من جديد.

وهنا الإشكالية الكبرى التي تواجهها «حماس» إستمرار المسيرات مع إحتمال التصعيد والحرب او القدرة على الحفاظ على إستراتيجية حافة الهاوية. وضرورة البحث عن مخرج مشرف، ويواكب حجم الشهداء والجرحى والتدمير، وكل هذا له دلالة سياسية بأن كل الخيارات السابقة لم تمنع خيار الحرب، ومن هنا ضرورة التفكير الجدي من قبل كل الأطراف والدول الإقليمية والدولية وخصوصا مصر والأمم المتحدة وأوروبا وحتى الولايات المتحدة بالبحث عن إجابات في كيفية تجنب غزة الحرب، لأن الحرب القادمة ستكون مدمرة، وكارثية على مستوى كل من إسرائيل وغزه بل المنطقة كلها وإن كانت لغزة بالتأكيد ستكون كبيرة جدا.

وما ينبغي أن تدركه إسرائيل أن خيار رمي غزة في البحر لم يعد قائما، وان تدرك حماس أنها لن تحقق إنتصارا عسكريا على إسرائيل في الحرب،. والتساؤل من جديد أي من الخيارات يمكن أن يحقق تفادي غزة الحرب؟

أولا خيار التهدئة: وعلى أهمية التهدئة من منظور إنساني ، ولا يمكن تصور أكثر من مليوني نسمه يعيشون في أصغر وأكثر مناطق العالم كثافة أن يعيشوا بلا أمل، وتحت حصار وعقوبات . ولكن السؤال هنا هل يمكن للتهدئة أن تبعد خيار الحرب؟ هذا يتوقف على ماهية التهدئة، ومدتها وتفاصيلها. وإشكالية خيار التهدئة انها لا تمنع خيار الحرب ، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة، وثانيا أن التهدئة التي تريدها إسرائيل غير التي تريدها حماس. وثالثا انها تهدئة غير مكتوبة، وهذا عامل آخر انها قابلة للإنهيار تحت اي حدث بسيط.

تبقى التهدئه خيارا مؤقتا , ويحتاج لمرحلة ما بعد التهدئة. من حل ملف الأسرى، ومدة التهدئه وعناصرها، والبعد السياسي، فلا يوجد إتفاق حتى تهدئة بدون ثمن سياسي.

الخيار الثاني الذي يجنب غزه الحرب بالكامل وهو إمتداد للخيار السابق ولكنه مثالي ومستبعد، وهو تصور إتفاق شامل بين «حماس» واسرائيل بموجبه تعترف حماس بالإعتبارات الأمنية لإسرائيل، وتتحول المقاومة لسلاح وظيفي بحماية الحدود، ويتضمن إعترافا ضمنيا، مقابل أن تقوم إسرائيل برفع كل الحصار والسماح بممر بحري وجوي، ولكن إشكالية هذا الخيار الإعتراف بحماس يستوجب إعترافا مقابلا من حماس. وهذا سيفقدها مقومات مرجعيتها ، ولا أعتقد حماس وصلت لهذه المرحلة من المراجعة.

والخيار الثالث وهو خيار الحرب ، وهذا الخيار أيضا مستبعد كخيار دائم، ويحمل في طياته مزيداً من الخسائر للطرفين، وكما أشرت لا يعمل هذا الخيار لصالح حماس، لأنه سيفقدها قوتها التفاوضية، وقوتها كفاعل فلسطيني وإقليمي له حضوره، هذا الخيار يضع حماس امام مسؤوليتها المباشرة، وهذا قد يتعارض مع أولويات وخيارات حماس كحركة لها مرجعيتها الدينية والأخوانية السياسية، وهناك مصلحة في الحفاظ على بقاء حماس قوية.

اما الخيار الأخير وهو الأكثر واقعية، ويشكل الخيار المكسب لحماس ولجميع الأطراف خيار المصالحة الفلسطينية المصحوب بخيار التسوية. وفي سياق هذا الخيار تقوم الأطراف المعنية بدور مباشر وضاغط في إتجاه إتمام المصالحة بمعنى التمكين السياسي الشامل، وتفرض على إسرائيل تقديم الإستجابة لرفع الحصار، وتقوم الحكومة الفلسطينية الشرعية والمعترف بها بتقديم حلول لكل مشاكل غزة الوظيفية والخدماتية وإعمار البنية التحتية وبالتالي لا يكون لحماس مبرر للمسيرات، والذهاب للخيار العسكري، ومقابل التعهد والإلتزام من قبل الحكومة الفلسطينية بالهدوء المتبادل، وبالتالي لا يكون لإسرائيل أي مبرر لفرض حصارها، ومن هذا الخيار يتم العمل على مستويين الأول إجراء الانتخابات وإعادة صياغة النظام السياسي الديموقراطي التعددي التشاوري، والذي يفرز مؤسسات شرعية لها حق بلورة مشروع وطني فلسطيني ملزم للجميع، ويتواكب هذا الخيار مع خيار التسوية الشاملة التي هي الضمانة النهائية لخيار الحرب وتفاديها ليس على مستوى غزة بل على مستوى المنطقة، ومن خلال هذا الخيار يتم الإعتراف بحماس فاعلا شرعيا كأي فاعل فلسطيني آخر, وهذا الخيار هو الخيار الأكثر فعالية وموضوعية، والقابل للتنفيذ. بدون ذلك خيار الحرب يلوح في الأفق القريب.