ليلة القبض على "الجزيرة"

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

كان إدعاء القناة القطرية، بأن محمد دحلان، سقط مغشياً عليه وانكسرت رقبته ونُقل الى العناية المركزة، يفتقر أصلاً الى المنطق، في صياغته وتعليلاته. وبعد الافتضاح السريع والطبيعي، لمثل هذا المننطق المختل، بحكم أن المستهدف رجل موجود ويمكن أن يطل على الرأي العام في أية لحظة؛ سقطت "الجزيرة" فيما هو أسخف وأفضح، وأصبح سياقها يشبه سيناريوهات أفلام إسماعيل ياسين والشاويش عطية قبل ستين عاماً، إذ أن هيئة تحرير الأخبار في القناة، تقول من كل عقلها، أن محمد دحلان هرب من غرفة العناية المركزة، ولم تصف لنا طريقة الهروب طالما أن لها مراسل في المشفى، لنعرف ما إذا كان الشاويش عطية قد ركض وراء الهارب، وهو يبكي ويتوسله أن يهدأ ويعود الى غرفة الاستشفاء وينتظر الفرج، تماماً مثلما فعل الفنان رياض القصبجي في ذات شريط بعنوان البوليس الحربي أو الأسطول أو الجيش.

وعلى قدر ما في هذا الهبوط الإعلامي من خفة، لا يبررها أي ضعف مهني لدى القناة المنتشرة؛ فإن المرء تتملكه الحيرة، في الجواب عن أسئلة هذا الهبوط. فهل هي الرعونة في الخصومة، التي أفقدت أصحابها عقولهم؟ وهل هي حقاً كراهية لدحلان نشأت عن صراع المحاور فرأى أصحابها أن هذا الفلسطيني يختزل المحور المضاد لقطر؟ أم إن استهداف دحلان، بدأ وازداد سخونة، بجريرة أوهام كبرى تتعلق بدوره في الإجهاز على المشروع الإخواني في الإقليم، وما طرأ بعده من أمور رآها الإخوان خازوقاً، مثل مصالحة حماس في غزة مع الدولة المصرية، والتوصل الى تفاهمات على تهدئة الخصومة الداخلية بين فتح وحماس في غزة؟.

التعليل الأخير، المتعلق بأوهام القطريين والأتراك ومبالغاتهم بخصوص دور دحلان في الإجهاز على المشروع الإخواني؛ هو الأقرب لتفسير هذه الرعونة في استهداف الرجل، والاندفاع بدون تفكير الى محاولات شيطنته فيما يشبه القفزات في الهواء.

دحلان من جانبه، تحدث بعد ظهوره على قناة العربية، ساخراً وقائلاً: "إنها ليلة القبض على قطر". وفي الحقيقة كان الذي اخترع قصة تعرض الرجل للضرب، ثم هروبه من غرفة العناية المركزة، قد أضر بقناة "الجزيرة" وبقطر، وأفاد دحلان. فالرجل ليس صانع سياسات في أي بلد، ومعلوم أن السياسات يصنعها قادتها. وكان من الحماقة توريط صحيفة أردوغان التي ضُبطت غير مرة متلبسة في التزوير وعُرفت بسمعتها السيئة وبلا مصداقيتها؛ وتلقينها رواية ساذجة عن مشاركة دحلان في حادثة خاشقجي، لا سيما وأن السلطات السعودية التي اعترفت بالجريمة وبمن قاموا بها،، لم يكن صعباً عليها أن تعترف بدور دحلان إن كان له دور أو لديه علم أصلاً. وكانت الرواية التي استوردتها تركيا من قطر، تُسيء لتركيا وتجعلها في موضع السخرية، إذ كيف يستطيع دحلان، بعد كل الذي جرى بعد اكتشاف عملية القتل، إرسال فريق لا يملك أية حصانة، الى القنصلية السعودية في استنبول، لكي يخفي معالم الجريمة، وسط تركيز وتفتيش الأمن التركي وحضور وسائل الإعلام الدولية وتأهب المطارات؟

في الحكاية الأخيرة، تصبب الإعلاميون المهنيون في "الجزيرة" عرقاً وحرجاً وأحسوا بضياع ما تبقى من سمعة التميز المهني، التي حصلت عليها القناة، أيقونة الحكم في قطر. فقد جاءت صياغة غرفة الأخبار،  ساذجة على نحو مستهجن، وتستهبل الجمهور، على طريقة سيناريوهات أفلام إسماعيل ياسين، لا سيما عندما قيل فيها، أن قائدين عربيين، حاولا إجبار دحلان على الاعتراف بقتل الخاشوقجي، وأن الرجل رفض، فأرسلت له فرقة غير نظامية لكي تعتدي عليه، ولما اعتدت عليه، نُقل الى العناية المركزة، وبقدرة قادر، هرب المضروب من الغرفة، لكي يظهر سليماً معافى على شاشة التلفزة، مع احتمال أن يكون مجهولون قد ارتجلوا شبيهاً له، وعرضوه على الشاشة!

أمام هكذا منطق، كان يحق لدحلان أن يقول بعد ظهوره على شاشة العربية، إنها ليلة القبض على "الجزيرة"!