"ماكرون" فى مرمى "السترات الصفراء"

التقاط.PNG
حجم الخط
 

جذبت صور التحصينات والحواجز المشتعلة ومشاهد شرطة مكافحة الشغب وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع وسط أفخم شوارع باريس الشانزليزيه، الاهتمام العالمى نحو أصحاب «السترات الصفراء»، الذين ضجَّت العاصمة الفرنسية بهم الأسبوع الماضى. بدأت حركة «السترات الصفراء» كمظاهرة ضد ارتفاع أسعار المحروقات، وذلك بعد أن اندمج الارتفاع العالمى لأسعار النفط بزيادة الضرائب المحلية على أسعار السولار، لكن تأثيرها تصاعد حتى باتت تلعب دوراً أوسع، حيث إن أفراد الحركة الاحتجاجية أصبحوا يعبِّرون عن الاستياء العام من سياسات الرئيس «إيمانويل ماكرون»، وقد أطلق على المحتجين «السترات الصفراء» بسبب ارتدائهم لسترات عاكسة للضوء باللون الأصفر كرمز لطلباتهم. كان لافتاً تناول الإعلام الغربى للاحتجاجات فى فرنسا على أنها نشأت من متطرفين يسعون لتحويل الاحتجاجات على زيادة الضرائب إلى ثورة متفجرة كاملة، فى اتهام مباشر إلى اليمين المتشدد بأنه استغل الغضب الشعبى ضد الرئيس «إيمانويل ماكرون» للإطاحة بالنظام بأكمله وليس فقط استقالة الرئيس، غير أن تداعيات المظاهرات المشتعلة فى فرنسا كشفت عن عورات الإعلام الغربى المتواطئ، والذى بدا واضحاً أنه يكيل بمكيالين، فهو يركز على العنف فى المظاهرات ولم يقف عند المطالب الحقيقية للناس، والتى كانت سبباً فى تفجر الأوضاع وتصاعدها، فالحكومات الأوروبية تدعم وسائل الإعلام التى تتحكم بها الرأسمالية المتوحشة من رجال أعمال نافذين، ومن هنا يتحكم المال فى رأى الإعلام ليساند حكوماته، فكان الاتجاه العام فى تناول الاحتجاجات الفرنسية هو التقليل من تأثيرها واتهامها بالغوغاء.

أوروبا التى طالما انتقدت إعلام دول العالم الثالث وتتباكى على الديمقراطية المفقودة فى الشرق الأوسط تمارس الديكتاتورية فى تحليل الأحداث الجارية فى فرنسا، وتقلل من تداعياتها، لكن وقبل ساعات من حلول يوم السبت تجد فرنسا نفسها أمام موجة جديدة من الاحتجاجات ضد الرئيس ماكرون، ما يؤكد أنها مستمرة، وهناك إقرار بأن المتظاهرين لديهم حق فى مطالبهم بدليل تراجع الحكومة وإعلانها بأنها تدرس زيادة الضرائب على الأثرياء، بهدف إرضاء ناشطى السترات الصفراء الذين طالبوا بتغيير السياسات الحكومية الداخلية بشكل جذرى، محتجين بشكل خاص على ما وصفوه بعدم العدالة فى توزيع الثروات فى بلادهم، فرغم تراجع الحكومة عن قرار زيادة الضرائب، لا يبدو أن حركة السترات الصفراء قد رحبت بالفكرة، فقد ارتفع سقف المطالب إلى حد الضغط لاستقالة «ماكرون» وحل البرلمان وإعادة توزيع الثروات بشكل عادل، وعدم تركيزها بأيدى نخب اقتصادية، ورفع الأجور، وتحسين شروط التقاعد والضمان الاجتماعى، فيما تستمر برفض التفاوض مع الجهات الحكومية، وكان صادماً أن فرنسا التى يأتى إليها 85 مليون سائح سنوياً، لديها أكثر من 9 ملايين جائع، وهناك قرى بأكملها لا يوجد فيها وحدات صحية، ولا تملك الحد الأدنى من الرعاية الطبية. لقد عزَّز موقف حركة «السترات الصفراء» موجة الغضب المتصاعدة وسط شرائح واسعة من المواطنين تجاه «ماكرون» والطريقة التى يحكم بها البلاد على أساس منطق النخبة المثقفة فى باريس، وتعلق الحركة آمالاً عريضة على استمرار أمد الاحتجاجات وصمودها أمام محاولات لتحويلها إلى حركة أكثر تنظيماً، فالسترات الصفراء ما زالت غير هيكلية وبدون قيادة، وهاتان ميزتان قد تمنحان القوة بنفس قدر نقاط الضعف، لكن التحدى الذى يواجهه ماكرون فيتلخص فى الدفاع المستمر عن المبادئ البيئية التى قال إنها سبب هذه الضرائب، بالإضافة إلى الحفاظ على صورته كقائد حازم لا يخضع للمظاهرات التى تملأ الشوارع، كما فعل الكثير من أسلافه، فى حين يغلب على المشهد أنه لا يستجيب لمطالب الناس العاديين، ففور وصوله للحكم اتخذ ماكرون قراراً بإيقاف الضريبة السنوية المفروضة على الأثرياء الذين يملكون أصولاً فى فرنسا تتعدى قيمتها مليوناً و300 ألف يورو، ومن هنا جاءت مطالبة المحتجين بإعادة الضريبة السنوية على الأثرياء كجزء من إجراء يعتبرونه عادلاً، ويساهم بتوزيع الثروات بشكل عادل فى فرنسا.

عن الوطن المصرية