الوقاحة المزدوجة

21254 (1).jpg
حجم الخط

 

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

لم تكتف الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية بإرسال عملائها إلى قطاع غزة، بهدف تركيب وصيانة أجهزة تنصت وتجسس على أبناء شعبنا هناك، وهم ينتحلون هويات مزورة بأسماء مواطنين من غزة، بل إنحدرت إلى الحضيض من خلال استخدام أنبل مهنة إنسانية، وهي مهنة الطب، كغطاء من خلال الإدعاء بأن عملائها أطباء وممرضون موجودون في غزة لخدمة المرضى.

هناك توافق عالمي، وحضاري، على تحييد مهنة الطب عن الإستخدام لأغراض سياسية، وخاصة عن إستخدامها لأغراض تجسسية أو إستخباراتية.

وعندما يؤدي الأطباء في كل العالم قسم أبوقراط فإنهم يتعهدون أولا بعدم إيذاء البشر من مرضاهم، وثانيا بأنهم سيقدمون علمهم ومهنتهم الإنسانية لكل من يحتاجها بغض النظر عن جنسه، أو دينه، أو قوميته، أو معتقداته، أو وظيفته.

ولم تكن صدفة أن يطلق على الأطباء والممرضات لقب ملائكة الرحمة، لأن المُتوقع منهم الرحمة غير المشروطة، والإبتعاد عن إلحاق الأذى .

وليست صدفة أن الناس يضعون ثقتهم في الأطباء والممرضين لأنهم يتوقعون منهم، بغض النظر عن بعض الحالات الشاذة، أرفع أشكال الرعاية والمسؤولية في التخفيف من آلامهم وتقديم العلاج لهم.

وعندما يلجأ رجال الإستخبارات الإسرائيلية إلى إستغلال مهنة الطب، وسمعة الأطباء، للتغطية على جرائمهم فإنهم يرتكبون جريمة مزدوجة، بل ويمارسون وقاحة مزدوجة يجب أن تكون مدانة ومرفوضة في كل المحافل، وعلى كل المستويات.

وهذه بالمناسبة ، ليست الجريمة الأولى التي ترتكبها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في هذا المجال، وهناك عشرات الحالات الموثقة، التي حاول فيها رجال المخابرات الإسرائيلية استغلال معاناة آباء وأمهات من قطاع غزة، كانوا يعانون من أمراض مستعصية، أو يرافقون أطفالهم الذين يعانون من السرطان أو أمراض فتاكة أخرى، لإجبارهم على العمالة للأجهزة الإستخباراتية، ووضعهم أمام خيارين، إما بفقدان حياة فلذات أكبادهم، أو العمالة وخيانة وطنهم.

وصف الكاتب الإسرائيلي ران غولدشتيان في مقال له بصحيفة هآرتس ما قامت به الأجهزة الإسرائيلية ، بأنه " استغلال سافر للطب لأغراض عسكرية" وأنا أقول ، أنه ليس فقط إستغلال سافر، بل إستغلال وقح لأكثر المهن الإنسانية نبلا واحتراما.

والسؤال المهم هنا، موجه لنيكي هيلي مندوبة الإدارة الأمريكية في الأمم المتحدة، التي تنطعت لتمرير مشروع في الجمعية العامة للامم المتحدة، لإدانة حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن النفس، وفشلت فشلا ماحقا، فهل ستقوم هي وإدارتها بإدانة الفعل الإسرائيلي الذي خرق كل القواعد الإنسانية، وكل احترام للعمل الإنساني ومهنة الطب؟.

وهل ستقوم حكومات بعض الدول التي تتبارى في ملاحقة المنظمات الإنسانية الفلسطينية لمحاسبتها على أي موقف مقاطع للاحتلال، بإدانة ما أقدمت عليه أجهزة الإستخبارات والحكومة الإسرائيلية من إساءة لمهنة الطب الإنسانية؟

على كل حال فإن إنحدار الأجهزة الإسرائيلية إلى هذا المستوى اللاأخلاقي لا يمثل برأيي علامة قوة، بل هو مظهر ضعف وإفلاس، في مواجهة اصرار الشعب الفلسطيني على المقاومة والنضال من أجل حقه في الحرية، والكرامة، والمعاملة الإنسانية.