في مؤتمرُ بعض رجال الأعمال

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

يضطرنا رئيس السلطة محمود عباس، المرة تلو الأخرى، الى تمحيص ما يصدر عنه كلما تحدث في أية مناسبة. فالرجل، في النهاية، هو الذي يتيح للممسكين بمقاليد الأمور وبالسياسات الداخلية الفلسطينية، وبالمقدرات المالية المتاحة تنفيذ مآربهم وإيذاء شعب فلسطين وقضيته. وهؤلاء هم الذين يحددون له رؤيته ويتعمدون تكريس انصرافه عن حقائق الكارثة التي حلّت بنا، وتسهيل التجاهل التام لجوانب أساسية وضاغطة على حياة الفلسطينيين، استحثت تدخل المنظمات الدولية، سواء الإغاثية أو المتعلقة بحقوق الإنسان والبيئة والخدمات الأساسية، مدركين قابلية عباس لأن يتناغم مع هكذا رؤى مُضللة!

في ظهوره الأخير، تحدث عباس أمام المؤتمر الذي افتتح في مقر الرئاسة، وأطلق عليه منظموه صفة "المؤتمر الدولي" بينما لا علاقة لتنظيمه بأية جهة دولية أو نادٍ اقتصادي دولي. فجمعية رجال الأعمال، هي صاحبة الفكرة التي استجابت لها وزارة الإقتصاد ودعيت ما تسمى هيئة مكافحة الفساد الى المشاركة في التنظيم والرعاية. ومن المفارقات، أن النقاط التي أثارها عباس في كلمته الافتتاحية، أكدت ضمناً على فشل هيئة مكافحة الفساد، التي كلفت الخزينة الفلسطينية أموالاً طائلة، ولم يتبه لهذا الأمر،  رئيس الهيئة، الذي يقترب من عامه التسعين أو تجاوزه!

ليس هنا مجال الحديث عن عدمية وجود القطاع الفلسطيني العام، وعن استخدام اسم هذا القطاع، للتغطية على امتلاك رجال أعمال طفيليين، للنذر اليسير من العناوين الخدمية التي تسمى على استحياء قطاعاً عاماً. لكن صياغة شعار المؤتمر وما تلاها من المصارحة بالأهداف، تفتح باب الأسئلة.

فالشعار هو "حَوْكمة.. شفافية .. تنمية إقتصادية". الأولى مصطلح جديد يتعلق بمراقبة نشاط المؤسسات الإقتصادية ومستويات أدائها وقراراتها التي تشف عن وجهتها وتوقعاتها، وهو مصطلح لصيق بالعولمة وتزامن معه. وفي مثل هذه المؤتمرات الفئوية، تُسمع وعود التنمية الإقتصادية، لكن المؤتمر هنا، يكرس التحالف بين رجال الأعمال، والأوساط الحاكمة، مع تعاون الجهات التي يفترض أنها رقابية. وواضح أن الوجهة، هي محاولة تعديل بروتوكول باريس الإقتصادي، بالتعاون مع قطاع الأعمال الإسرائيلي. فقد أشار عباس في كلمته، الى تعديل مرتجى. وكان رجال الأعمال الطفيليون، المستثمرون في إسرائيل، والذين يتسع باطّراد، نشاطهم المشترك مع قطاع الأعمال الإسرائيلي،  قد دفعوا في اتجاه حل إشكالية بروتوكول باريس، من خلال مخارج العولمة. وهذه وجهة، يراها الجانب الإسرائيلي، تتساوق مع فكرة "السلام الإقتصادي" الذي ينهض على عاتق الميسورين وطلاب الثروة ويجتذب بعض العاطلين عن العمل. وفي لغة التضليل، يجري الحديث عن تنمية الاقتصاد الوطني، بالحَوْكمة، أي بمناقشة القرارات والتوجهات في إدارة المؤسسات، بمنطقها الإداري الصرف، وليس بالمنطق السياسي، الذي يكرر التأكيد على أن جميع المشكلات الاقتصادية، تنشأ بسبب الاحتلال، وأن الوجهة لا بد أن تكون فتح الثغرات في الانسداد الذي صنعه الاحتلال أمام القطاع الخاص المُنتج في فلسطين.

في كلمته تجاهل عباس بؤس غزة،   وأظهر سعادة قصوى بانضمامه لمنظمة البوليس الدولي "الانتربول" وواضح أن الانتربول بالنسبة له، هو ملاحقة الناس وتشويه سمعتها، بناء على فرضيات ظنيّة. فقد عبر عن ذلك بنفسه،  في كلمته الأخيرة، عندما قال ليجلب لنا الإنتربول السارقين، ثم لتنظر المحاكم في أمرهم، إما أن يدفعوا أو أن يحصلوا على البراءة. فالرجل يصدر حكم الإدانة، ويحسم الأمر بأن من يطلبهم قد سرقوا، ثم يناقض نفسه ويعترف أن المحاكم لم تصدر أحكاماً وأن احتمالات البراءة واردة. معنى ذلك أن الموضوع هو تصفية حسابات مع الناس.

وبالطبع، لن يجرؤ هذا السعيد بانضمامه السلس الى الإنتربول، على طلب جلب وإحضار إسرائيلي نصاب أو جنرال لص، للمثول أمام محاكم حضرته.

ومقابل الغلاظة والغرور والعنفوان، في التطلب من حماس لإنهاء الإنقسام بكل مخاطره الوجودية، حلّت الرقة في الرد على إسرائيل وعلى ترامب، إذ تراجعت العين الحمراء لتقتصر على التذكير بأنه قد ذهب للانضمام الى منظمة البريد الدولي، ويمكنه مواصلة مشواره الكفاحي والانضمام الى منظمة الحفاظ على جودة البيئة. وكأن ذهابه الى هذه المنظمة أو تلك، هو الفعل المقاوم الذي يسرق النوم من عيون الإحتلال. أو كأن أحداً لن يسأل كيف يكون الانضمام الى الإنتربول سهلا في ناظر إسرائيل، والانضمام الى منظمة البريد خطراً وتحدياً!

مؤتمر رجال الأعمال في رام الله، يشبه سلطة عباس ومرتكزاتها في المجتمع، وما قاله عباس في الافتتاح، كلام يفضح النوايا، ويتجاوز عن أعراض الكارثة التي أنزلها من موقعه كرئيس للسلطة والمنظمة،  في هذا الوطن المنتكب!