في وداع سنة عربية.. ثقيلة الوطأة!

talal-salman-200.jpg
حجم الخط

 

وها هو مجلس التعاون الخليجي يتفكك ويفقد الدور الذي اُريد له أن يلعبه كنادٍ لأغنياء العرب بالنفط والغاز فلا يجد من ينعاه إلا أمير دولة الكويت. لكأنه ممنوع على الدول العربية أن تلتقي ولو على قاعدة الحد الأدنى..

لقد أقيم هذا المجلس، اصلاً كبديل للأخوة الأغنياء في جامعة الدول العربية التي تضم أكتريه من الدول الفقيرة (مصر، تونس، سوريا، لبنان، جيبوتي والصومال والسودان الخ..)

لم يعد ملوك النفط وأمراء الغاز يقبلون أن يكونوا شركاء في المصير مع اخوتهم الفقراء الذين يرزحون تحت اثقال القضايا المقدسة: فلسطين، الاستقلال السياسي مشفوعاً بالتحرر الاقتصادي، وقبلها ومعها أية صيغة للاتحاد أو الوحدة بين الدول العربية تثبيتاً للإيمان بالمصير المشترك والتلاقي من اجل الغد الأفضل.. ولو كره الكارهون.

المستقبل في العلاقة مع "الأصدقاء الكبار والأغنياء"، كالولايات المتحدة الاميركية أساساً، ومن بعدها روسيا التي تخففت من اثقال الشيوعية، والصين التي تتحول إلى الرأسمالية ولو بخطى المليار ونصف المليار صيني المشغولين بمنافسة الدول الصناعية الكبرى في أسواقها كما في "بناء افريقيا" السوداء بالأيادي الصفراء.

وها هي سلطنة عُمان تستقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية قاتل أطفال فلسطين، بنيامين نتنياهو، ويشد سلطانها قابوس على يديه ثم على يدي زوجته مرحباً، سعيداً بسماعه يقول أن دولاً عربية عدة قد أبدت استعدادها لاستقباله، ممهدة لذلك بفتح قنصليات يمكن أن تتحول إلى سفارات في أية لحظة (مشيراً بشكل خاص إلى دول مجلس التعاون الخليجي..)

***

و"السلطنة" التي كانت، ذات يوم، امبراطورية تمتد بامتداد المحيط الهندي حتى اندونيسيا، وتتمدد عبر بحر عمان وباب المندب إلى الشواطئ الافريقية وصولاً إلى الحبشة والصومال وجيبوتي، لم يعد لها من تلك الأمجاد الغابرة إلا لقب السلطان، عازب الدهر، وتقاليده وبينها انه قد كتب اسم خليفته على وريقة جعلها في صندوق، فاذا ما غادر الدنيا جاءت "هيئة الوصاية" ففتحت الصندوق وقرأ أعضاؤها اسم السلطان الجديد ..

هل من ديمقراطية امتع وأبهى للانتقال من سلطان إلى آخر ؟!

***

اذن جامعة الدول العربية مشلولة، معطلة الدور، وكل دولة تخطط لنفسها السياسة التي تناسب حاكمها، بمعزل عن الدول الشقيقة الاخرى، وأحيانا على حسابها.

..وكل المؤسسات الجامعة التي تفرعت عن جامعة الدول العربية، والمعنية بالوحدة الاقتصادية والوحدة الثقافية وصولاً إلى مجمع اللغة العربية، معطلة عن الفعل.. ربما كان موظفوها ما زالوا يتقاضون رواتبهم، لكنهم بلا عمل، فاذا ما عملوا فليس ثمة من ينظر في انتاجهم فيقبله أو يسجل عليه الملاحظات التي لن يقرأها بعده أحد.

صارت جامعة الدول العربية "تكية" للمعارضين في بلادهم، يوفدون اليها لكي يعارضوا في مقاهي القاهرة والحفلات الدبلوماسية.. مع حرص على عدم تفويت أي حفلة طرب أو ..خلافه!

أما الحكم فهو من حق الجديرين به، ممن يعرفون مسار الرياح، فيبدلون في مواقفهم ليحتفظوا بموقعهم في السلطة أو يرتقوا إلى فوق.. فالموقع أهم من الموقف.. هكذا يعلمنا التاريخ!

الخريطة واضحة إذن: بلاد العرب لم تعد للعرب. انها ارض نفوذ للأقوى.. وهكذا فان الأقوياء هم أصحاب الكلمة في حاضر العرب ومستقبلهم، لا فرق بين الجمهوريات والملكيات والامارات الا... بالثروة. فأما الدول الفقيرة فلا رأي لها، وعليها أن تخضع لموازين القوة: أميركا أولا ومعها بل ضمنها اسرائيل.. ثم روسيا، انطلاقاً من سوريا، وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي. انها بلاد القيصر بوتين وليس القيصر ستالين.. أما لينين المؤسس فلم يتبق منه الا تمثاله كتذكار من الماضي وعليه. وبوتين ليس متعصباً، فلا هو يعادي الاميركان بشخص الرئيس الظريف دونالد ترامب الذي لا ينام ولا يترك الاميركيين، وكذلك الاوروبيين، وضمنهم الروس ينامون. أما العرب فقد اوكلوا اليهم أمورهم من النفط إلى فلسطين، ومن الغاز إلى مستقبل العراق وسوريا ولبنان البلا حكومة، فإلى ليبيا البلا دولة فإلى الجزائر برأسها المشلول، فإلى تونس الذي يعجز الحكم عن الإنجاز ويعجز الشارع عن التغيير..

***

النفط أثقل مسؤولية من أن يتحمله أهله.. والغاز أعظم شأناً.

وهكذا فلا بد أن يتولى ترامب هذه المسؤولية الخطيرة فيحدد لكل دولة (عربية) كم تنتج وبأي سعر يناسب الولايات المتحدة وحلفاءها، ومن لم يعجبه الحال فليشرب نفطه ثم يتناول الغاز لكي تهضم معدته ما دخلها.

ولأن المسؤولية ثقيلة فلا بد أن تحدد واشنطن اسعار هذه المواد الاستراتيجية، فلا يجوز أن يجني العرب مليارات المليارات من الدولارات بينما ما يزال في اميركا طوابير من الفقراء الذين لا يجنون ما يقوم بأودهم.

بالمقابل فإن أوروبا تعيش أزمة اقتصادية خطيرة، تسببت، بداية، في خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لتعود مملكة تتبعثر أجزاؤها في أكثر من بحر، وتعيش أزمة سياسية خطيرة... بينما مستشارة المانيا الأقوى من ألف رجل... تخرج من السلطة بصمت الكبير بعدما هزمتها الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة.

بالمقابل فان تركيا قد وجدت في جثة الكاتب الصحافي جمال خاشقجي استثماراً لا نظير له، ورئيسها اردوغان يلعب بهذا الرصيد مع السعودية عبر واشنطن، ويدعم قاعدته العسكرية في قطر. إنه يملك الآن أغلى جثة في التاريخ، وهي مطروحة في المزاد الدولي العلني: لواشنطن الافضلية، وعلى السعودية أن تدفع الثمن مرتين أو ثلاثا: لواشنطن ثم لأنقره، أو العكس، ثم لروسيا التي تتملقها لتنجز صفقة الصواريخ «S 400» المضادة لكل ما يتحرك ويطير.

***

أما أحوال العرب فهي "تمام التمام":

في العراق: يعجزون عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لان لكل طائفة أو عنصر من عناصر تكوينه دولة او اكثر ترعاه.. وهكذا فان ما يرضي واشنطن يغضب ايران والعكس بالعكس.

وفي سوريا ما تزال أبواب الجحيم مفتوحة أمام هذه الدولة التي كانت، ذات يوم، عنوان الوطنية والعروبة.. فالأميركيون في الشرق (دير الزور ومناطق انتاج النفط)، والاتراك في الشمال يقاتلون الاكراد من فوق رأس النظام، واسرائيل تواصل غاراتها بالطيران إلى حد التصادم مع الروس عند الساحل السوري، فاذا تعذر عليها ذلك قصفت إيران في بعض ضواحي دمشق.

ولبنان يدخل شهره الخامس بلا حكومة، وتتفاقم مشكلاته السياسية والاقتصادية من دون أي احتمال لانفراد قريب..

أما اليمن فالحرب فيها وعليها مستمرة.. ولا أحد يدري إذا كانت المفاوضات الجارية في السويد ستعيد إلى اليمن سعادته المفقودة.

وكل عام وأنتم بخير!