تضليل لا يخفي الأهداف الحقيقية..

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

بينما تشد الحكومة الإسرائيلية الأنظار مرةً نحو قطاع غزة، ومرةً أُخرى نحو الشمال، فإن ممارساتها العدوانية والعنصرية في كافة أنحاء الضفة الغربية بما في ذلك القدس، تشير بالملموس إلى أنها تركز حربها المجرمة بكافة الوسائل، على ما تدعي أنها «يهودا والسامرة».
تختار إسرائيل سيناريو التهدئة المتدرجة مع قطاع غزة، رغم ما أصابها هناك من فشل أفضى الى أزمة للحكم، ليس فقط لتحييد جبهة القطاع، وإنما للتخلص منه بعيداً عن بقية الوطن الفلسطيني وحتى يتم تأهيله لكي يكون مقر الكيان الفلسطيني الحصري.
وتختار فتح الجبهة على اتساعها في القدس والضفة الغربية، للاستيطان والتهويد، وتنغيص حياة الناس، وإضعاف السلطة الوطنية ومصادرة القدس، والأماكن الإسلامية والمسيحية التاريخية المقدسة سواء في القدس او الخليل، او بيت لحم وأخواتها، او في نابلس.
بإصرار شديد، تتابع إسرائيل مخططاتها التوسعية، وحروبها، الحقيقية والدونكيشونية، في محاولة لاستغلال كل الوقت الذي يتيحه وجود ترامب في البيت الأبيض، حيث لم تحظ بدعم كالذي تقدمه ادارة الرئيس الأميركي الحالي.
تفشل إسرائيل في قطاع غزة، وتفشل في الشمال وتطلق التهديدات، لكنها غير مستعدة لفتح تلك الجبهات على حروب واسعة، بعد ان فقدت القدرة على الردع وفقدت القدرة على المباغتة، او الحاق الهزيمة بالضربة القاضية.
حروب إسرائيل المؤجلة مكلفة جداً، ولا تتوقف أضرارها ودمارها على الأطراف الأُخرى، ولكنها تلحق بإسرائيل أضراراً ذات أبعاد استراتيجية تتصل بدورها في المنطقة، وتتصل أيضاً بموضوع استقرارها الداخلي، وقد تشكل سبباً في هجرة او عودة عشرات آلاف المهاجرين، الذين لا يزالوا معلقين بين دولة مهددة وبين دول تؤمن لهم الاستقرار.
في الضفة الغربية أيضاً تفشل إسرائيل، وهي بعد لم تجرب استفزاز الفلسطينيين، نحو مواجهة شاملة، فشلت في القدس في معركة البوابات الإلكترونية، وتفشل على جبهة تسريب الأراضي، وتفشل في تقويض صمود المقدسيين، بالرغم من إجراءاتها التعسفية، وحملات الاعتقال لعشرات من قيادات وكوادر حركة فتح بما في ذلك محافظ القدس، وتفشل في الضفة الغربية حتى لو انها زادت من حملاتها الاستخبارية والعسكرية وزادت من معدلات الاستيطان، وتسليح المستوطنين واطلاق ايديهم للتنكيل بالفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وهدم بيوتهم.
الخان الأحمر شاهد على هذا الفشل، اذ يصمد الناس والقوى السياسية، ويتحد الكل الفلسطيني الرسمي والشعبي في المواجهة، وتطيح المقاومة الشعبية السلمية في الخان الأحمر بقرارات المحاكم الإسرائيلية التي يفشل الجيش الإسرائيلي في تنفيذها رغم مرور الكثير من الوقت. في الآونة الأخيرة تسجل إسرائيل فشلاً استخبارياً آخر، حيث تمضي الأسابيع، دون ان تعثر على اثر للمناضل اشرف نعالوة، رغم الضغوط الهائلة التي يتحملها اهلُه، وأصدقاؤه وجيرانه.
وتسجل عميلة عوفرا فشلاً آخر، حيث ان المنفذين اختفوا عن الأنظار، دون ان تتمكن كل عيون إسرائيل من ملاحظتهم او العثور على اثر لهم. عملية إطلاق نار أُخرى تقع في حاجز الجلمة، في ظل الاستنفار الإسرائيلي الشامل في الضفة، واقتحام الجيش للعديد من المدن والقرى، وبغض النظر عما إذا كانت تلك العمليات المتلاحقة باستخدام الأسلحة النارية، فرديةً او منظمة، فإنها تشير الى قدرة عالية على التخطيط وبيئة فلسطينية حاضنة، والى احتمال تصاعد مثل هذه العمليات في الأيام والأسابيع القادمة.
هذا الفشل المتكرر، والواسع، يدفع إسرائيل الى الجنون، حين يصل الأمر الى حد التحريض المباشر على المساس بالرئيس محمود عباس، الذي قام المستوطنون بوضع صورته على الحواجز العسكرية الإسرائيلية.
يترافق ذلك مع اقتحام لمقر وكالة وفا الرسمية، ومصادرة الكاميرات ومحاصرة مقر وزارة المالية، ومصادرة المزيد من الكاميرات في الأرجاء، تقدم إسرائيل عملياً كل المبررات لتسريع تنفيذ القرارات التي اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني، إذ من غير الممكن أن تكتفي السلطة بالتحذير وإطلاق المناشدات للمجتمع العربي والدولي، وإجراء الاتصالات السياسية والدبلوماسية.
من الواضح أن إسرائيل تعمل على تقويض مؤسسات السلطة المؤهلة لأن تتحول الى مؤسسات دولة، وان تضرب هيبتها وهيبة القيادة الفلسطينية، وإظهارها بمظهر العاجز عن الدفاع عن شعبها وكل ذلك في طار تحضير الميدان الى ان تأتي اللحظة الحاسمة لمصادرة والسيطرة على معظم الضفة، وتحويل السلطة الى سلطات محلية منفصلة في كل مدينة عن الأُخرى. ان مثل هذا الوضع يشكل امتحاناً للوطنية الفلسطينية، اذ لم يعد ثمة وقت او مبرر لاستمرار حالة الانقسام، فالقضية في خطر، والوطن في خطر، ويطال الخطر أيضاً من يحسبون انهم ووجودهم بمنأى عن دفع الثمن.