أشرف وابن أبو عاصف

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

في يوم انطلاق السوري خالد أكر، والتونسي ميلود بن ناجح، عبر طائرات شراعية إلى فلسطين، كتب الشاعر العراقي مظفر النوّاب قصيدة، مديحا، بعنوان “قل هي البندقية أنت”، شبّه فيها أكر، الوحيد الذي وصلت طائرته يومها، وقاتل الاحتلال، بعلي بن أبي طالب، وقال في ختام القصيدة، “فلتتبارى الفصائل جوا وبحرا وبرا”. صارت القصيدة سراً يتناقلها المُحبّون على أشرطة مهرّبة.
كتبتُ هذا المقال ثلاث مرات.
نامت، أو استيقظت، رام الله وفلسطين، فجر الخميس،على نبأ استشهاد صالح البرغوثي. ومع فجر أمس كتبتُ مقال صالح، ومع الضحى، استشهد أشرف نعالوة، ومع انتصاف النّهار أُعلِنَت عملية قرب قرية سلود.
لمن لا يعرف بُركان، التي نفذ فيها أشرف، ابن قرية شويكة – طولكرم، عملية طعن قبل نحو تسعة أسابيع، هي مستوطنة صناعية، في واحدة من أجمل بقاع فلسطين، وقرب خزانات مياة طبيعية وسط فلسطين، حوّلها الاحتلال لمكان للصناعات الكيماوية، ويعتقد كثيرون أنّ الصناعات هنا خطرة يُمنَع إقامتها داخل الأراضي المحتلة العام 1948. وأرهق نعالوة، الذي استشهد في مخيم عسكر قرب نابلس، شمال الضفة الغربية، الاحتلال وهو يطارده، وكبّده ميزانيات كبرى لأكثر من شهرين. من يعرف منطقة “بركان”، ربما تذكر عند نبأ استشهاد أشرف، سيل المياه الملوثة من مصانع المستوطنة، تبيد البيئة والطبيعة. أشرف كان له كلمة.
لا شك أن كثيرين جدا قالوا بعد نبأ استشهاد صالح عبارة “ابن أبو عاصف”.
أمس فُتحَت سيرة قرية كوبر مجدداً، وهي التي لم تُغلَق يوماً. الشهيد صالح، الذي يعتقد أنّ استشهاده يرتبط بعملية يوم 9 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، العسكرية، قرب مستوطنة عوفرا، والتي حتى القضاء الإسرائيلي قال إنّها يجب أن تُزال، هو ابن عمر البرغوثي (أبو عاصف).
كتبتُ عن قصة خلية كوبر، مطلع العام الماضي نقلاً عن كتاب أبو علاء منصور (محمد يوسف)، رحلة لم تكتمل، الذي لم يكن قد صدر، وصدر فعلا منذ أيام فقط، وكتبتُ حينها أنّه عقب “احتلال العام 1967، بدأ الشقيقان عمر ونائل البرغوثي التفكير بمواجهة الاحتلال، وهما في سن عشرة أعوام. وبحثا عن الفدائيين في كهوف منطقة قريتهم “كوبر”، لدرجة ترك رسالة في أحد الكهوف (نحن إخوانكم، نريد الالتحاق بالثورة). وأخذا يبحثان عن الفتيان الذين يشابهونهما في المسعى”، فكونوا مجموعة من أعضائها ابن عمهم فخري البرغوثي، (أبو شادي).
لا يكاد أبو عاصف يخرج من المعتقل حتى يدخله، رغم قيامه بعملية قلب مفتوح، وانشغاله بزراعة الزيتون. وقضى ابن عمه، فخري في المعتقل 34 عاما، وشقيقه نائل ما يزال في المعتقل، يُتِم 40 عاماً هناك.
لا يجوز، أن أنسخ مقالي السابق، ولكني قلت أيضاً يومها “التقى أبو علاء مع فخري في رام الله، بعد ثلاثة أعوام من تحرّره، عائدًا بحفيدته ابنة السبعة أعوام من المدرسة، وعرّف بها: (مجدل ابنة هادي). قاطعت الحفيدة جدّها: “أبوي انسجن ثلاث سنين ونص، سيدي فخري انسجن 34، عمي شادي في السجن، كلّهم التقوا (أول مرّة)، في سجن عسقلان، عشان هيك سمّاني أبوي مجدل، على اسم عسقلان”.
قبل صالح، نفذ ابن كوبر، عمر العبد، عملية مستوطنة حلاميش، في صيف 2017، وبعده بعام واحد عملية طارق دار يوسف، ابن كوبر أيضاً، في مستوطنة جبع. وهي قرية أبو مخلص البرغوثي، أحد قادة الثورة في منطقة الوسط، الحارس في جامعة بيرزيت، الذي توفي، منتصف التسعينيات، والذي كان من “شبابه” القائد الأسير الدكتور، مروان البرغوثي.
لا شك أن هناك من فكّر أمس بسلواد، قرية ثائر حمّاد، الذي استهدفَ في يوم من الأيام حاجزا للاحتلال، منفذ عمليّة قنص أسطورية، سميت عملية “وادي الحرامية”. كان ثائر امتداد قصة طويلة، لعائلته، جده وأخواله، ولقريته أيضاً، التي تعيش أجواء شبيهة بكوبر، وجرت قربها عملية بعد استشهاد صالح بساعات. لسان حال القرى أنها تتبارى في مساندة بعضها.
كانت كوبر تسمى يوماً موسكو الصغيرة، لكثرة الشيوعيين فيها، وكانت ولا زالت بلد أبو مخلص ومروان برغوثي والتيار الوطني الفتحاوي، وهي بلد القسّاميين الحمساويين، وصالح ليس أولّهم، وليس آخرهم، تماماً كما كان ثائر حمّاد على درب أخواله واعمامه، وأشرف يعرف كيمياء الوطن. هم يعرفون كيمياء الوطن وجيناته.

عن الغد الأردنية